كيف تتصرّف لو ان رئيسك او مديرك امرأة؟ انت الذكر المختال كالديك بعُرفه وفحولته، وارث السلطات الممنوحة لك تلقائياً فكأنها حقك المكتسب، كيف لك ان تتقبّل اوامر الانثى لو قيّض لك ان تعمل في شركة او مؤسسة تديرها امرأة؟ جاء السؤال اعلاه من خلال مطالعتنا دراسة اجتماعية - مهنية وضعها مختصان استراليان هما سالي زانيتيك وكريس جيفري عنوانها "فهم النصف الآخر في مكان العمل". ويزمع الباحثان الجامعيان على تحويلها الى كتاب في وقت قريب. تكشف الدراسة ان النساء يسيطرن على 46 في المئة من الكمّ العددي في مجالات العمل المختلفة، إلا انهن لا يتبوأن مراكز قيادية في اكثر من 3 في المئة. مع ذلك من المتوقع ان ترتفع هذه النسبة خلال العقدين المقبلين بصورة مطّردة نتيجة اقبال نسائي منقطع النظير على دراسة ادارة الاعمال. والمشكلة المحورية في هذا الموضوع هي ان معظم الرجال يجدون صعوبة واضحة في تقبّل الانصياع لأوامر النساء. وتقول زانيتيك "ربما يخيّل للبعض ان الازمنة تغيّرت الى حد اعتبار وجود المرأة في قمة الهرم مسألة عادية. لكن ذلك غير صحيح في الواقع، خصوصاً نسبة الى الرجال الذين يشعرون بعدم ارتياح لوقوعهم تحت سلطة الجنس اللطيف". ويتحدث الباحثان عن اختلاف جوهري في اسلوب العمل والتعامل تعود اسبابه الى جوهر التباين في التربية المنزلية والعلاقات العائلية والاجتماعية التي تجعل "الصبيان" غير "البنات" منذ النشوء وعبر التطور المرحلي لحياة الجنسين. فبينما يجري تشجيع الفتيات على العمل ضمن المجموعة الأسرية او الاجتماعية الأوسع والانضواء في اللفيف من دون لعب دور قيادي حاسم، تعطى للفتيان ادوار قرارية، منفردة، يطلب منهم عبرها تأكيد استقلاليتهم وقدرتهم على التنفيذ والسلطة. ومما لا شك فيه ان ذلك التباين ينعكس على اساليب التواصل وأشكال التصرف على صعيدي تربية الاطفال وادارة شؤون المنزل، ناهيك عن ادارة شؤون الشركات والمؤسسات. وتعتبر زانيتيك ان صلب المشكلة يكمن اولاً وآخراً في صعوبات التوافق على طريقة العمل بين المرأة - الرئىس والرجل - المرؤوس: "المرأة تقول مثلاً: اتمنى عندما يسمح لك الوقت ان تلقي نظرة اخرى على هذا التقرير. وفي مقدور الرجل ان يأخذ كلاماً كهذا بمسؤولية مخففة، علماً بأن قصد سيادتها القول: خذ هذا التقرير وأعد كتابته". ويضيف كريس جيفري الى ذلك قوله "للرجل اسلوب مواجه، مباشر، على شيء من الحدة والشدة، مما يحيّر المرأة التي تميل الى اخذ الامور على صعيد شخصي، وذلك بحد ذاته يحيّر الرجل الذي يعتبر الفصل بين الشخصي والمهني من مسلّمات الامور". وفي التحليل السيكولوجي للتباين بين الاسلوبين ان النساء يملن الى التحدث عن مشاكلهن كطريقة لحلّها او لتلقي التعاطف الحيادي. لكن الرجال يعتبرون ذلك بحثاً عن مساعدة وينبرون فوراً لاقتراح الحلول. وتقول زانيتيك "ذلك النوع من سوء الفهم قد يقود الى سوء تفاهم بين الرئيسة والمرؤوس، ويضعف مركزها في نظره". وتميل النساء ايضاً الى تفضيل الائتلاف على التفرّد ومحو الذات على حب الظهور. كما لا تخشى المرأة الاعتراف بضعفها ولا تتورع عن القول الصريح امام مرؤوسيها: "الواقع لست على اطلاع كاف في هذا الشأن". ما قد يعتبره الرجل غير جدير بمركزها ويدفعه بالتالي الى التشكيك في قدراتها الاخرى. وفي هذا المجال يميل الرجال اكثر الى تغطية نقاط ضعفهم والنواحي التي يجهلونها في عملهم، وهنا مصدر تصادم آخر، خصوصاً اذا اغفلت السيدة الرئيس ان موظفها يجانب الحقيقة فمنحته ثقتها الكاملة وهو في الواقع فشّار مكابر. تقترح الدارسة اربع مراحل - تنظيمية ل"تأهيل" الذكور والاناث على التعاون وانجاح انقلاب الادوار المقبل في القرن المقبل: "اولاً ضرورة ادراك التباين ومعرفة اصوله، ثانياً تطوير التواصل الاداري، ثالثاً التخفيف من الاحكام المسبقة في الجهتين، رابعاً فتح الحوار الصريح لتشذيب احتمالات التصادم. ويقول جيفري: "نحن بحاجة الى تغيير جذري في الثقافة كي نبدأ بتقدير الصفات النسوية كالشورى والانضواء وروحية العمل المتعاون، والاستعداد لقبول نقاط الضعف لدينا، ناهيك عن قبول النصائح".