يحاول مهرجان بيت الدين الذي ينتهي في الاسبوع الاول من آب اغسطس المقبل ان يقدم برنامجاً متنوعاً، وعلى قدر مرتفع من المستوى فنياً وثقافياً على السواء. وهو يجمع هذا العام، الى الموسيقى كلاسيكية ومعاصرة، باقة من مشاهير المطربين العالميين. ويختتم رحلته الصيفية الحارة بما يسميه روجيه عساف "لعبة مسرحية" استعار حبكتها من عمل للمسرحي الاسباني الكبير لوبي دي فيغا وأطلق عليها عنوان "الميسان". خلال المهرجان تنظّم الدار الاوروبية للصورة الفوتوغرافية معرضاً من اعمال اربعة مصورين هم برنار بيار وولف وميمو جوديس وبيار زبال وجو سايسب. فرنسيان ولبنانيان. ويأتي المعرض في نطاق تظاهرة فوتوغرافية أوسع تشمل المناطق اللبنانية ويحتوي برنامجها على 64 اسماً بينهم فؤاد الخوري الذي باتت اعماله في مقدمة النتاج الفوتوغرافي على صعيد دولي واشتهر بصوره الصاعقة والمعبرة عن مدينة بيروت بعد الحرب. بدأ المهرجان برنامجه بسهرة غنائية حارقة مع سيزاريا إيغورا الملقبة بالمنشدة الحافية والتي اطلق عليها الفرنسيون بحق لقب "بياف الرأس الاخضر" نسبة الى مسقط رأسها الافريقي. ولن يكون غريباً ان يسميها العرب أم كلثوم السنيغال. ولدت سيزاريا ايغورا في الرأس الاخضر في قلب السنيغال العام 1941 ولم تبدأ مهنة الغناء حتى العام 1988 فاستطاعت ان "تعولم" صوتها وموضوعها الغنائي اذ قدّمت باقات اميركية من فئة بلوز وأغاني برازيلية وبرتغالية من نوع "فادو" المغرق بالعاطفية والرومانس، اضافة الى أناشيد فرنسية وكوبية وغيرها. ويعقب سيزاريا ايغورا المغني الايطالي الكفيف اندريا بوتشيللي. وهو ايضاً جاء الى الغناء متأخراً اذ اكتشفه في العام 1992 المطرب الايطالي الآخر زوتشيرو فورناسييرا بعدما كان اعدّ نفسه بنجاح لمهنة المحاماة. وفي العام 1994 دعاه بافاروتي لمشاركته الغناء في مهرجان مودين الدولي، وفي العام نفسه أنشد بوتشيللي للبابا في الفاتيكان ليلة عيد الميلاد. ثم انطلق في دورات عالمية متوالية على مسارح هولندا وبلجيكا والمانيا وفرنسا وحاز على الاسطوانة البلاتينية حيثما وزّعت اسطوانته الشهيرة "رومانزا" ترافقه فرقة موسيقية من سبعين عازفاً بقيادة مارشيللو روتا. من مواليد بيزه توسكانا لم يستطع اندريا الصغير مشاهدة المروج الخضر لتلك المنطقة الساحرة في ايطاليا كونه ولد كفيفاً. وعلى رغم تفوقه في الدراسة أحب الموسيقى وتابعها بجهد منذ نعومة أظافره. فما ان سنحت له فرصة امتهان الغناء حتى وضع مهنة الحقوق جانباً وانطلق يصدح بثقة كبيرة في اسلوب عاطفي رقيق مزاوجاً بين الاوبرالية والانشاد القريب من قلوب العامة. دعاه الايطاليون مطرب القرن المقبل، وبيع من "رومانزا" 14 مليون نسخة حول العالم كصدّى "متواضع" لنجاحه المذهل. في 17 و18 تموز يوليو الجاري يشهد قصر بيت الدين موعداً مع راقصة الباليه الكلاسيكية الشهيرة ماري - كلود بيترا غالا نجمة اوبرا باريس واحدى ابرز راقصات الباليه في العالم اليوم. بيترا غالا شكلت فرقتها الخاصة واطلقت عليها اسم "راقصو باريس المنفردون". لكنها لم تفعل ذلك الا بعدما ارتقت في اوبرا باريس الى مرتبة الراقصة الاولى، فالنجمة. وبدأت تنجح في تصميم رقصات طليعية جمعت بين الباليه الكلاسيكي والرقص المعاصر في ابتكارات طليعية. في العام الفائت قدمت بيترا كما يدعوها المقرّبون اول اعمالها الكوريغرافية المتكاملة في اليابان مع خمسة راقصين بعنوان كورسيكا. وتقول لپ"الحياة" ان فكرة هذه الباليه كانت تراودها منذ منتصف الثمانينات "لكنني ما كنت اجد الوقت الكافي لتنفيذها، علماً بانني احس كورسيكا بصورة عضوية قوية". وتضيف: "منذ التاسعة من عمري دخلت مدرسة الاوبرا، ما حرمني العيش في كورسيكا. لكني استعيد في هذا الباليه شذرات وصوراً ومشاعر من طفولتي الباكرة هناك في باستيا حيث يستوقفني الناس في الشارع ليشكروني على عملي". في 26 تموز لفحة شرقية روحانية يحملها الايراني شهرام ناظري الذي نشأ في كرمنشاه عاصمة الاسرة الساسانية سابقاً والتي يسكنها الاكراد في صورة خاصة. وكرمنشاه قلب الصوفية الفارسية المرتبطة بالموسيقى ارتباطاً وثيقاً. في نهاية السبعينات، لفت انتباهه ازدهار فرق ضاربي الطنبور وانبعاث تلقائي لتقاليد موسيقية وثيقة الصلة بالروحانية والتجلي، فلم يقاوم انجذابه الى ذلك الجو الغامض الموحي سواء على المستوى الادبي او الموسيقي. ودلف الى مؤلفات الرومي والعطار وغيرهما كما بدأ ابحاثه حول الطنبور، وبدأ يعزف تلك الآلة متعاوناً مع فرقة "شمس" العريقة في هذا المجال. وسرعان ما تكوّنت لديه طريقة يعتبرها كثيرون مدرسة خاصة في الموسيقى الحديثة الحاملة تراثاً خاصاً من دون ان تنوء به. أُطلقت عليه القاب كثيرة منها "البلبل الفارسي" و"بافاروتي ايران" اما هو فيعيش في منأى عن الضجيج متناولاً كما المتصوفة القدامى زمنه قطرة قطرة. لديه عدد محدود من الطلبة، ويحاضر ويسافر ويشارك في المؤتمرات الموسيقية ثم يعود الى عزلته للعمل والتأليف والتأمل. اسطواناته الخمسون تباع كالخبز في ايران ويقبل عليها هواة الموسيقى التراثية وموسيقى العالم في الخارج بشهية مماثلة. تسبق ناظري في 24 و25 الجاري أميرة الجاز بيتي كارتر يرافقها بروس فلاورز ونيل كاين واريك د. هارلند. ويشارك في البرنامج نفسه ماك - كوي تاينر الفائز بجائزة "غرامي أواردز" مرّتين والمعروف بتألقه في عالم البيانو - الجاز. وفي اليومين الاخيرين من هذا الشهر ايضاً يستقبل فضاء بيت الدين اكثر الفرق الكوبية شهرة "كوبانيسمو" وعلى رأسها عازف الترومبيت العالمي يسوع المانيي الذي اخذ فرقته في جولات متواصلة حول الكرة الارضية وكان له فضل ترويج الخليط الكاريبي - الاميركي - اللاتيني. وقبل اختتام المهرجان بالعمل المسرحي الاستعراضي الذي اعدّه للمناسبة روجيه عساف، يقدم المهرجان حفلة مجانية لاوركسترا موسيقى "باروك" بقيادة روي غودمان وغناء كاترين بوت، السوبرانو المعروفة باختصاصها في الغناء القديم.