مؤتمر الشرق الأوسط ال19 للتآكل يختتم أعماله في المنطقة الشرقية    شواطئ منطقة جازان تجذب العائلات… وأجواء نهاية الأسبوع تصنع لحظات ممتعة للجميع    بمشاركة 15 جهة انطلاق فعالية "بنكرياس .. حنا نوعي الناس" للتوعية بداء السكري    فريق DR7 يُتوّج بطلًا ل Kings Cup MENA في موسم الرياض    ارتفاع أسعار النفط وسط مخاوف بشأن الإمدادات    العنزي يحقق فضية المواي تاي وزن 67 كجم.. وأخضر اليد يكسب العراق    أخضر اليد يتغلب على نظيره العراقي في «الرياض 2025»    الأخضر السعودي يهزم ساحل العاج بهدف أبو الشامات وديًا    زلزال بقوة 5.7 درجات يضرب قبالة سواحل مملكة تونغا    مساعد وزير الداخلية يرأس وفد المملكة في المؤتمر الوزاري لبلدان الاتحاد الأوروبي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    قمة تنافسية بين بيش والخالدي عصر غدٍ السبت    الشريك الأدبي قريبا مساحة بين الأدب والفن في لقاء مع الفنانة التشكيلية مريم بوخمسين    مكتب وزارة البيئة والمياه والزراعة بينبع ينظم فعالية "يوم الغذاء العضوي" في الدانة مول    الصين تحذر اليابان من هزيمة عسكرية «ساحقة»    المملكة توزّع (1,514) سلة غذائية بولاية شمال كردفان في السودان    مجمع هروب الطبي يفعّل مبادرتين صحيتين بالتزامن مع اليوم العالمي للسكري    ارتفاع أسعار النفط وخام برنت يصعد إلى 64.39 دولار للبرميل    القبض على إثيوبي في جازان لتهريبه (108) كجم "قات"    بلدية الدلم تضبط 13 مخالفة جسيمة وتغلق منشآة تجارية    قتلى وجرحى إثر هجوم روسي كبير على كييف    اختتام دورة "فن احتراف الديكور الداخلي" ضمن "انطلاقة نماء" بجازان    شاهين شرورة ب 351 ألف ريال    «الأرصاد» يراقب تطورات الحالة المطرية من خلال تقنيات أرصادية تغطي أكثر من 90% من مساحة المملكة    حرم ولي العهد تتبرع لصندوق دعم الأطفال المصابين بداء السكري من النوع الأول ب10 ملايين ريال    اختتام فعالية التطوع الاحترافي بمشاركة 24 خبيراً و250 مستفيد في جدة    غيابات منتخب السعودية عن مواجهة كوت ديفوار    من النص إلى النشر".. نادي مداد وبيت الثقافة بجيزان يناقشان تجربة الكاتب وقارئه الأول    جمعية عين لطب العيون تنظم فعالية توعوية بمناسبة اليوم العالمي للسكري في جازان تحت شعار "فحصك اليوم    الأسهم العالمية تتراجع بشدة مع تبدد آمال خفض أسعار الفائدة    ديوان المظالم يفوز بجائزتين دوليّتَين في تجربة العميل 2025    الدوسري: برّ الوالدين من أعظم القربات إلى الله    البعيجان: الإخلاص أصل القبول وميزان صلاح الأعمال    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تعزز الوعي بداء السكري في سكرك بأمان    152 توأماً من 28 دولة.. والمملكة تحتفل بالإنجاز الجراحي رقم 67    جامعة محمد بن فهد تستذكر مؤسسها في احتفالية تخريج أبنائها وبناتها    موسم الدرعية 25/26 يستعد لإطلاق مهرجان الدرعية للرواية الأحد المقبل    أفضل خمس خدمات بث فيديو    الفن يُعالج... معارض تشكيلية في المستشفيات تعيد للمرضى الأمل    غدٌ مُشرق    رحلة الحج عبر قرن    عدسة نانوية لاكتشاف الأورام    انطلاق "موسم شتاء درب زبيدة 2025" في محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية    مفتي عام المملكة يستقبل وزير العدل    الدفاع المدني يهيب بأخذ الحيطة والالتزام بالتعليمات مع توقع هطول أمطار رعدية على معظم المناطق    غرفة القصيم توقع تفاهمًا مع الحياة الفطرية    منسوبو وطلاب مدارس تعليم جازان يؤدّون صلاة الاستسقاء    "محافظ محايل" يؤدي صلاة الاستسقاء مع جموع المصلين    محافظ صبيا يؤدي صلاة الاستسقاء تأسياً بسنة النبي واستجابة لتوجيه خادم الحرمين الشريفين    أول اجتماع لمكتب المتقاعدين بقوز الجعافرة    الثقوب الزرقاء ورأس حاطبة.. محميتان بحريّتان تجسّدان وعي المملكة البيئي وريادتها العالمية    محافظ محايل يزور مستشفى المداواة ويطّلع على مشاريع التطوير والتوسعة الجديدة    ذاكرة الحرمين    ترمب يواجه ردة فعل مشابهة لبايدن    القيادة تعزي رئيس تركيا في ضحايا تحطم طائرة عسكرية    آل الشيخ ورئيسا «النواب» و«الشورى» يبحثون التعاون.. ولي عهد البحرين يستقبل رئيس مجلس الشورى    استعرض مع ولي عهد الكويت التعاون.. وزير الداخلية: مواجهة الجريمة والإرهاب بمنظومة أمنية خليجية متكاملة    وسط مجاعة وألغام على الطرق.. مأساة إنسانية على طريق الفارين من الفاشر    طهران تؤكد جديتها في المفاوضات النووية.. إيران بين أزمتي الجفاف والعقوبات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل المتوسط عازل حدودي فعلاً ، أم بحيرة تعاون جامع لشعوب وثقافات ؟
نشر في الحياة يوم 22 - 03 - 1998


Stephen Calleya.
Navigating Regional Dynamics in the Post-Cold War World - Patterns of Relations in the Mediterranean Area.
استكشاف الديناميات الاقليمية في عالم ما بعد الحرب الباردة - انماط العلاقات في المتوسط.
Dartmouth.
1997.
268 Pages.
خلاصة دراسة ستيفن كاليا، وهو باحث من مالطا أعدّ هذا الكتاب بالأصل على شكل اطروحته للدكتوراه في احدى الجامعات البريطانية، تقول بأن الافكار التي تروج للمتوسطية ليست سوى احلام مثالية. فالوقائع الصلدة، بحسب كاليا، تشير الى ان المتوسط هو أقرب لأن يكون منطقة حدودية فاصلة من ان يشكل منطقة تعاونية تشاركية.
بهذه الخلاصة ينضم الباحث الى قائمة ليست بالقصيرة من المتشككين في الاطروحة المتوسطية، والمتحفظين عن ماكينتها الاقتصادية/ السياسية المتمثلة بمشروع الشراكة الاورو - متوسطية.
الأفكار، وكذا الأرقام والاحصائيات، التي تلتقي عليها جبهة المتشككين واحدة. فهي تشمل مقارنات معدلات مجمل الدخل القومي لبلدان جنوب المتوسط وشماله، وتبيان الفروقات الفلكية، ثم تتحدث عن الاستقرار الشمالي مقابل اللاستقرار الجنوبي، وترصد تباينات الثقافة والدين والمجتمعات، فضلاً عن مسارات حركة هجرة الأفراد ورؤوس الاموال المتجهة حتماً نحو الشمال، والهاربة من أوضاع مأساوية في الجنوب.
واذا كانت الحلقات الدراسية المعنية بالشراكة المتوسطية، سواء كانت في المعهد الملكي للعلاقات الدولية في لندن، أو في وزارة الخارجية الفرنسية في باريس مؤخراً قد اصطبغت بنبرة تشاؤمية، مبعثها اساساً التباعد الاقتصادي والسياسي بين شمال المتوسط وجنوبه، فان كاليا يضيف الى هذين التباعدين جرعة ثقافية مركزة، تحدد هوية مسيحية علمانية شبه واحدية للشمال، مقابل اسلامية اصولية شبه عامة للجنوب مقتبساً من هانتنغتون واحداً من حدوده الحضارية ليضعها في عرض المتوسط، وليقفل بها أية نافذة للتقارب، ولو بعد حين، ولو من خلال الاقتصاد أو السياسة.
بالتأكيد يحاول كاليا ان لا يسطر أطروحته بشكل تنفيري مباشر ونافٍ تماماً لأية آفاق لكسر هذا "الحد" المائي العنيد، لكنه لا يخفي تشاؤمه المستقبلي المفرط غير البريء من التلوثات الهانتغتونية، سيما وهو يستعرض أنماط التجمعات الاقليمية المختلفة حول المتوسط، ويفكك مكوناتها وسياساتها وتوجهاتها، فلا يجد بينها أي قاسم مشترك. فالمتوسطية، التي تعني التقاء الدول المحاذية للمتوسط في مشروع أو تجمع اقليمي واحد، تضم كتلة جنوب اوروبا المكونة من قبرص وتركيا ومالطا، وتضم كتلة المغرب العربي بالاضافة الى مصر، وتضم كتلة الدول المشرقية سورية، لبنان، الأردن، اسرائيل. ولكل من هذه الكتل ودولها اهتمامات وسياسات واقتصاديات غير متناغمة، ان لم تكن متنافرة.
فالجنوب الاوروبي مهموك في الاندماج، أو محاولات الاندماج، بالشمال الاوروبي وتقديم طلبات العضوية للاتحاد. ثم يتبع ذلك بالاهتمام بانشاء علاقات ثنائية مع الولايات المتحدة واليابان، ويعرف نفسه بأنه أوروبي أولاً وثانياً، ثم يأتي تعريف متوسطي في المرتبة الاخيرة.
اما كتلة المغرب العربي فهي ايضاً منشغلة بتقوية علاقاتها الثنائية مع الاتحاد الاوروبي ومع الولايات المتحدة، وغير مهتمة بتنمية علاقاتها المتوسطية، ان مع دول الجنوب الاوروبي، أو مع دول المشرق المتوسطي. وكذا حال الكتلة المشرقية الثالثة، فهي أولاً مستهلكة في توتر سياسي دائم بسبب الصراع العربي - الاسرائيلي، وعلاقاتها الخارجية هي ما فوق جوارية وثنائية بالدرجة الأولى وباتجاه الولايات المتحدة.
واذا كان الاوروبي الجنوبي يعتبر نفسه أوروبياً قبل ان يكون متوسطياً فهذه ايضاً هي حال العربي، الذي بالكاد يعترف بالمكون المتوسطي في هويته العربية والاسلامية القوية.
واذا نُظر الى المتوسطية، أبعد من النظرة الكلوية المثلثة، فان الصورة لن تكون اكثر اشراقاً، بل سوف تختزل بتقابلية ثنائية مفرطة في التباين. فهنا، سوف تنقسم المتوسطية المفترضة عرضياً بين شاطئ شمالي غني مستقر، ومتسم بدينامية متسارعة نحو تكامل بيني أقوى ونمط مبادلات تعاوني، وجنوب فقير متوتر وغير مستقر، ومتسم بدينامية متسارعة نحو التشرذم والتفكك، وسيادة نمط مبادلات صراعي، ينفجر احياناً كثيرة على شكل حروب بين دول، أو على شكل حروب أهلية داخلية. وهذه الصورة اللامتكافئة لشاطئ المتوسط تكرّس، في ما يرى كاليا، صورة الحدود الفاصلة والعازلة، ولا يمكن ان تصف منطقة تنبئ بآفاق تشاركية ناجحة. واذا كان من غير الممكن المحاججة ضد هذا الراهن المتوسطي، وبالتالي الاتفاق مع كاليا حول ما هو قائم الآن، فانه من غير اليسير الذهاب معه الى الامام ومصادرة المستقبل المتوسطي عبر مط الاطروحة الراهنة وترقيتها الى درجة الاقدار التي لا قدرة على مقاومتها.
مقابل هذا التشاؤم المطبق، والمبطن بدعاوى ثقافية انعزالية من ناحية، ورؤية قومية مالطية تريد ان تهرب من جغرافيتها وتلتصق بأوروبا كلية، وتخشى من الارتباط أو النسبة، لجنوب متخلف، فان تساؤلات عدة تظل واقفة في وجه المتشككين بالمتوسطية، أو آفاقها، تحتاج الى معالجة. أولها هو ماذا قد تكون الحال لو ان اوروبا اهتمت حقاً بالمتوسطية، وبالجناح الجنوبي للقارة، قدر اهتمامها بالجناح الشرقي لأوروبا، وتكريسها لرساميل ضخمة للنهوض بذلك الجزء من القارة لالحاقه بركب التنمية والنهضة وتقريبه من معدلات النمو الاوروبي؟! اذ لحد الآن، فان ما يمكن قوله هو ان قدر الجدية والاهتمام الاوروبي بالمشروع المتوسطي، لا يمكن ان يوصف أو ان يرقى لعشر مستوى الاهتمام الاستراتيجي بالشرق الاوروبي.
واذا كان هذا مفهوماً لاسباب عدة، فان ما لا يجب ان يغيب عن البال هو ان مصلحة اوروبا، قبل ان تكون مصلحة الجنوب المتوسطي، تكمن في خلق فضاء جنوبي مستقر اقتصادياً وسياسياً. ففي ما عدا الاجندة الامنية والوثيقة الصلة بتيار هجرة العمال من دول شمال افريقيا الى اوروبا، وربطه بالتدهور الاقتصادي في تلك الدول، فان الاهتمام يخفت الى أدنى صلة ممكنة. ثاني تلك التساؤلات مرتبط بمدى دقة وعلمية تسطير مقولات ستاتيكية من مثل قيام حائط برلين جديد في المتوسط، لمواجهة مستقبل قد يزخر بالاحتمالات. ولو بعد عشر أو عشرين سنة. فلو تقدمت اقتصاديات تونس والمغرب ومصر على سبيل المثال، وقاربت بعضاً من اقتصاديات تركيا وقبرص واليونان، لتساوت هذه الدول في المرتبة، ولظل، الفارق الوحيد بينها، مع استثناء تركيا، هو العامل الثقافي الذي يدندن به كاليا أو الذي يسقطه ولا يعطيه اهتماماً عندما يلحظ مقدار المبادلات اليابانية الاوروبية، او تحالفات السياسة والاستراتيجيا اليابانية - الاميركية. وبالمجمل، اذا كان التفاؤل بالشراكة المتوسطية راهناً، كما يذهب بشارة خضر في كتابه حول الموضوع الصادر في العام الماضي، وكما يلحظ جورج طرابيشي في نقده لذلك التفاؤل الذي قد لا يكون مبرراً، فان نفي افاق أي نجاح لهذه الشراكة حتى لو مستقبلاً يعني استسلاماً لهانتنغتون وانصاره، وتجفيفاً لبحر امتطته قوافل التجار والحجاج اكثر مما امتطته أساطيل الحروب والغزوات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.