منذ أيام قليلة عاد الى السطح اسم نسيه الكثيرون: ليني ريفنستاهل. فرغم تدمير النازية للحياة الثقافية والفكرية في ألمانيا، كان هناك مثقفان موهوبان بارزان ربما وحيدان يقفان معها والى جانبها، بل ينشران دعوتها: المهندس المعماري البرت سبير شبير الذي صنع صروحها ونُصبها، والسينمائية - المصوّرة ريفنستاهل البالغة من العمر، اليوم، 96 عاماً. وريفنستاهل التي تتمتع بصفات السينمائي الهوليوودي، استخدمت قدراتها لتصوير المناسبات والحشود النازية الضخمة، فضلاً عن تقديم أعمال دعائية بحتة الا أنها متميزة فنياً. لكنها، الى ذلك، كانت في أفلامها تبالغ في تعظيم هتلر بحيث تستعمل كل المؤثرات البصرية الممكنة لاظهاره انساناً أعلى. ريفنستاهل تلح الآن في طلب اعادة الاعتبار لأفلامها وصورها، بحجة أنها لم تكن نازية بل ان الجمالية وحدها هي ما استهواها! وهي لأجل ذلك سبق أن ذهبت الى مناطق نائية من أفريقيا ومعها الكاميرا، لتعود بصور تدل الى أنها ليست تلك العقائدية العنصرية الموصوفة. أما النقاد فيبدأون من الطعن بفكرة الجمالية النازية أصلاً، إذ أي جمالية يمكن ان تقيم في النازية أو تجاورها؟ وهم يرون ان ريفنستاهل كانت، بفعل براعتها الفنية، أخطر من سواها، هي التي أعطت النشاط الدعائي بُعداً فنياً، لكنها أيضاً سكتت عن المآسي التي أنزلتها النازية بزملائها السينمائيين ممن سرّحتهم وشرّدتهم، سكوتها عن المآسي الأكبر التي أنزلتها بالبشر، أكان في المحرقة أم في الحرب الثانية عموماً. وحتى الصور الأفريقية ظلت، في نظر النقاد، برهاناً على أن ريفنستاهل لم تتغير. فهي استرعاها الإيكزوتيكي الأفريقي، كما بحثت فيه، بحسب ما دلت صورها، على العضلي والذكَري البحت. فما يجوز في الموسيقار الكبير فاغنر، مثلاً، هو الذي عاش قبل النازية واكتفت الاخيرة باستخدام موسيقاه وآرائه، لا يجوز في ريفنستاهل التي تورّطت حتى أذنيها في السياسات الهتلرية. مع هذا أعادت السينمائية الالمانية، في طلبها اعادةَ الاعتبار والتأهيل، طابع الالحاح الى سؤال قديم: كيف يُحاكم العمل الفني الجيد اذا كان صاحبه صاحبته على ما كانت عليه ريفنستاهل؟ وهل يجوز، تالياً، لأعمال ابداعية وجميلة، في معزل عن الصواب السياسي، أن يلفها الغبار والنسيان، ومن ثم كيف تتشكل الذاكرات والتواريخ؟ * كاتب ومعلّق لبناني.