بدأت الحياة تعود تدريجاً الى وضعها الطبيعي في مقاطعة "كيبك" التي يعيش فيها أكبر الجاليات العربية الموجودة في كندا، بعد تعرضها لعاصفة جليدية مدمرة حولت أجزاء واسعة منها الى قفر من القفار القطبية لأسابيع عدة وأصابت اقتصادها بشلل موقت نجمت عنه خسائر مادية قدرتها مصادر صناعية بزهاء بليوني دولار أميركي. وجاءت العاصفة في شكل "أمطار جليدية" هطلت بكثافة على المناطق الشرقية من كنداوالولاياتالمتحدة الثلثاء قبل الماضي واستمرت خمسة أيام متتالية ما جعلها ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ المنطقة، أقله في ما يتعلق بحجم الأضرار الكبيرة التي ألحقتها بشبكة الكهرباء، المصدر الرئيسي للطاقة في كندا وفي درجة أكبر مقاطعة كيبك. واختلف خبراء الطقس في تحديد أسباب العاصفة الجليدية وأعادها البعض الى ظاهرة الأمواج الدافئة في مياه المحيط الهادئ التي أطلق عليها اسم "النينو" بسبب تزامنها مع موعد الاحتفال بذكرى ميلاد السيد المسيح وأرجعها البعض الآخر الى عامل "البيت الزجاجي" وربط بينها وسلسلة الكوارث الطبيعية التي أصابت أنحاء مختلفة من العالم في الأشهر الأخيرة. وأعلنت "مؤسسة كهرباء كيبك" وهي شركة ضخمة تملكها حكومة المقاطعة وتبلغ مبيعاتها السنوية نحو 5.5 بليون دولار، أن الجليد تراكم على أعمدة الكهرباء والأسلاك بسماكة تزيد على 6 سنتم أي ثلاثة أضعاف الحد الأقصى المسموح به، ما تسبب في انهيار 40 في المئة من شبكة التغذية وانقطاع التيار الكهربائي عن زهاء 3 ملايين نسمة بينهم نحو 150 ألف شخص من أصل عربي عاشوا الليالي السوداء. وتركزت الآثار المباشرة للعاصفة الجليدية، لا سيما انقطاع التيار الكهربائي وتعطلت غالبية وسائل الاتصالات ووسائط المواصلات لفترات متقطعة، في مونتريال وضواحيها الصناعية حيث يتجمع زهاء 15 ألف شركة انتاجية تقدر مبيعاتها السنوية بنحو 120 بليون دولار، ما نسبته 22 في المئة من اجمالي الناتج المحلي للمقاطعة. وقدر جيرالد بونتون رئيس اتحاد المنتجين والمصدرين في كيبك الخسائر المادية التي تكبدتها الشركات الصناعية نتيجة تعطل الانتاج بنحو 70 مليون دولار يومياً وأشار الى أن فترة التوقف بالنسبة لنحو 60 في المئة من الشركات الانتاجية ستبلغ 22 يوماً حيث لا يتوقع عودة التيار الكهربائي بشكل كامل قبل 26 كانون الثاني يناير الجاري. ولا تشمل هذه الخسائر التي قدرها بونتون بنحو 600 مليون دولار، اضراراً أخرى خطيرة ومكلفة كالتي لحقت بالمئات من المزارع الانتاجية اذ أدى انقطاع التيار الكهربائي الى نفوق بضع آلاف من البقر الحلوب كما اضطر المزارعون الى التخلص من ملايين الليترات من الحليب بسبب عدم قدرتهم على نقله الى المصانع في الوقت المناسب. وعلى رغم عدم توافر تقديرات رسمية شاملة قالت مصادر صناعية: "ان انقطاع التيار الكهربائي تسبب في إحداث خسائر تناهز في المحصلة النهائية بليوني دولار فضلاً عن نفقات اصلاح شبكة التغذية في مونتريال والضواحي الصناعية التي قدرت بنحو 350 مليون دولار أي ما يعادل نحو نصف الأرباح الصافية التي تتوقع مؤسسة كهرباء كيبك تحقيقها السنة الجارية". ورأت المصادر ان نتائج العاصفة الجليدية لن تؤدي الى آثار بعيدة المدى على اقتصاد كيبك إلا أن تعرض شبكة التغذية لفشل خطير من دون سابق انذار وضع علامة استفهام كبيرة على صوابية الاعتماد المطلق على الشبكات التقليدية المكشوفة في مقاطعة تعيش نصف السنة في ظروف جوية بالغة القسوة خصوصاً بالنسبة للشركات الصناعية التي تستخدم نحو 42 في المئة من اجمالي الطاقة الكهربائية المولدة محلياً. واعترف لوسيان بوشارد رئيس وزراء مقاطعة كيبك في مؤتمر صحافي عقده مساء السبت الماضي ان العاصفة الجليدية فاجأت الجميع وجاءت في غياب خطة طوارئ مناسبة قادرة على تأمين مصادر بديلة للطاقة خلال الأزمات وقال ان حكومته اضطرت للجوء الى الولاياتالمتحدة لسد حاجة مزارعها الانتاجية من مولدات الكهرباء خلال فترة اصطلاح شبكة التغذية. وكشف اندريه كاييه رئيس "مؤسسة كهرباء كيبك" حجم الأضرار التي لحقت بشبكة التغذية وقال: "ان الأمطار الجليدية تسببت في تحطيم 23 ألف عمود من أعمدة الكهرباء وزهاء ألف كلم من الأسلاك فضلاً عن مئات المحولات الرئيسية التي لا بد أن يجري استبدالها في عملية إعادة بناء شاملة حُشد لها 3 آلاف عامل من المؤسسة و240 طاقم فني من الولاياتالمتحدة".