منذ سنوات عدة، تعرف السينما المغربية تحولات عديدة سواء على مستوى البنيات الفكرية التي تقدمها أو على مستوى العملية الإخراجية الفنية التي أصبحت تعتمد عليها مستفيدة في ذلك من التطورات التكنولوجية الكبيرة التي أصبح يعرفها المجال السينمائي العالمي. من هنا، لم يعد مقبولاً بتاتاً عدم توافر الفيلم السينمائي المغربي على مقدار كبير من المقومات التقنية المرتبطة بالعملية الإخراجية خصوصاً ونحن نتحدث هنا عن الفيلم المغربي الاحترافي وهو ما يدعونا إلى التركيز على الرؤية الإخراجية التي يعتمدها المخرج السينمائي في إنجاز فيلمه، وتقديم القصة التي يريد إيصالها إلى المتلقي من خلاله. هكذا نجد على سبيل المثال كيف أن أفلام المخرج هشام العسري تركز على رؤية إخراجية تعتمد على التحكم في الأدوات التقنية المستعملة بكثير من الدقة الفنية. وهو أمر يجعل من هذا التحكم التقني أداة أساسية في خدمة الرؤية الفنية التي يسعى من خلاله هذا المخرج إلى تقديم عناصر القصة التي يريد إيصالها إلى المتلقي. وحين يتحول التحكم التقني إلى عامل أساسي في الفيلم السينمائي، على رغم أن قصة هذا الفيلم قد تكون قصة بسيطة، يسفر الأمر عن وضع يجعل منها قصة ذات أبعاد دلالية مختلفة ومتعددة في ذات الآن. وهو أمر نراه في مختلف أفلامه، إذ يمكن المتفرج النبيه أن يرصد عملية التلاؤم في اي فيلم من أفلام العسري، بين ما هو فكري وجمالي وبين ماهو تقني محض. ومن بين هذه الأفلام السينمائية الجديدة التي قدمها في هذا الإطار، نجد فيلمه «ضربة في الرأس» الذي جمع فيه بين هذين الجانبين في شكل عميق جداً، إذ تحولت التقنية إلى أداة فعالة داخل الفيلم السينمائي ولم تكتف فقط بعملية بنائه خارجياً. إن هذا الفيلم السينمائي الذي تم الاعتماد فيه على التصوير السينمائي القوي واتسمت فيه الصورة السينمائية بشعرية كبيرة مردها الأساسي إلى التحكم التقني، يقدم لنا داخل بنيته الحكائية قصة لعبت فيها التكنولوجيا دوراً مهماً. ذلك أن بطل الفيلم الذي يعمل شرطياً قد تعرض لضربة على رأسه وهو يفرق جموع المتظاهرين. وقد تمت معالجته طبياً بوضع شبكة حديدية داخل رأسه بحيث أصبح جسده يتفاعل مع التموجات الكهربائية الأخرى. وهذا التفاعل الإنساني– التكنولوجي سيكون له دور في عملية التسلسل الدرامي للفيلم. إنه سيجعل البطل وهو يتابع مباريات كرة القدم، يظل بعيدا عن جهاز التلفزيون حتى لا يؤثر عليه. وهو أمر ظل يؤثر حتى على علاقاته مع الشخصيات الأخرى التي سيتلقي بها، أو ستربطه بها علاقات صراع أو صداقة. إن عملية تحول العامل التكنولوجي من إطار خارجي يساعد في العملية الإخراجية للفيلم السينمائي إلى عمال داخلي مؤثر في البنية السردية ويصبح من ضمن القوى الفاعلة فيه، قد عرفتها السينما المغربية في العديد من الأفلام التي قدمتها في السابق. يمكن أن نستحضر في هذا الصدد فيلم « ألف شهر» للمخرج فوزي بنسعيدي، كما يمكن أن نستحضر أفلاماً سينمائية أخرى مثل فيلم «نساء ونساء» للمخرج سعد الشرايبي أو فيلم « إطار الليل» للمخرجة تالا حديد وغيرهما. ذلك أن عملية جعل العامل التكنولوجي سواء كان سيارة أو دراجة أو آلة تسجيل أو آلة تصوير فاعلا أساسيا ومؤثراً في سيرورة البنية السردية للفيلم مسألة هامة جدا في لعبة التجديد السينمائي، عملية تفتح الفيلم على الاستفادة من كل المكونات الفيلمية الممكنة في لعبة التجسيد الفني للأفعال وحتى للأفكار في بعض الحالات التي تتطلب ذلك، وعدم اكتفائه فقط بالاعتماد على شخصيات إنسانية فحسب تجسد أدوارها بدون ربطها مع عوامل أخرى خارج-إنسانية. وبهذا نرى كيف أن السينما المغربية مثلها في ذلك مثل باقي السينمات في العالم لم تعد تقتصر فقط على توظيف الشخصيات الإنسانية في أفلامها فحسب وإنما أصبحت توظف إلى جانبها وفي تفاعل قوي معها فواعل وقوى أخرى قد تكون تكنولوجية بالأساس، لكنها يكون هنا موضع استحواذ تفني ودرامي يكون الهدف الأساسي منه، خلق عوالم سينمائية جديدة ومختلفة بالتالي عن العادي الذي أصبح الجمهور السينمائي على معرفة كلية به من كثرة تكراره في معظم الأفلام السينمائية التي شاهدها في السابق.