يغلب طابع العشوائية على المعارض الفنية في المملكة بسبب عدم احترافية المنظمين لها، الذي ينحصر اهتمامهم بقص شريط الافتتاح والتقاط الصور التذكارية، بغض النظر عن جودة مضمون الإعمال الفنية أو ابتكار تقنيات جديدة لعرضها، وهذا هو السبب الرئيسي، بحسب بعض المهتمين، في عزوف الجمهور عن حضور المعارض الفنية هذه الأيام مع ندرتها. هناك جمهور متعطش للمعرفة والفن في السعودية، وهذا ما يؤكده الناقد البريطاني وقيم المعارض الفنية شون ويليامز، الذي ذكر أن عدد زوار معرض «بيت أبي» الذي نظمه المجلس الثقافي البريطاني قبل مدة في المتحف الوطني بالرياض ومتحف باب البنط بجدة، تجاوز 3 آلاف زائر. وليامز الذي درس اللغات الأوربية وتاريخ الفن سبق له تنظيم معرض فوتوغرافي بجدة قبل عامين بعنوان «أرضية مشتركة» عن الحياة اليومية للمسلمين في بريطانيا. «الحياة» تابعت تحضيرات معرض «بيت أبي» وانطلاقته، وحاورت شون في هذا اللقاء: ما الهدف من إقامة معرض «بيت أبي»؟ - يهدف هذا المعرض المتجول في دول الخليج إلى استكشاف تراث المنطقة المعماري، من الأبراج الشاهقة إلى البيوت القديمة. وأعتقد أن التفاصيل المعمارية مثل الجدران والأقواس والسقوف والأبواب تعكس معاني وقيم لها تأثيرها في حياة الناس اليومية، لأن لها لغتها الخاصة التي تقاوم الزمن، وتعبر عن حقيقة العلاقات الاجتماعية والروحية للأفراد بالبيئة المحيطة بهم. وصور المعرض تطرح تساؤلات عدة حول الهوية المعمارية للمنطقة، وكيفية المحافظة على هذا التراث في مواجهة عملية التحديث ومتطلبات التنمية، وهذا هو التحدي القائم اليوم. ما وظيفة منظم المعرض أو ما يسمى بالإنكليزية Curator؟ - وظيفته في الأساس بناء جسور بين الناس والفن، وبفضل دراسته للفن وحضوره للبيناليات والمعارض الفنية، ويستطيع المساهمة في التثقيف وارتقاء الذائقة والتعريف بالتيارات الفنية الجديدة، من خلال تقديم تجربة فنان معين أو إنتاج حركة فنية أو اطلاع الجمهور على روائع فنية من حقبة زمنية سابقة. ويحاول نشر المعرفة في حديثه مع زوار المعرض لإتاحة الفرصة للجميع للحوار حول فكرة أو موضوع قد يكون حديث الساعة، وهذا بحد ذاته نوع من التواصل الإنساني لإثراء الحركة الإبداعية. أما من الناحية العملية فإن وظيفة منظم المعرض تشبه وظيفة مدير المشروع الذي يشرف على عمليات التخطيط والتصميم والتنفيذ وإدارة فريق العمل، ويجب أن يكون لديه المهارات الأساسية في جمالية التصميم، وتقنيات الترميم، والتسويق وإدارة الفعاليات. كيف تطورت مراحل المشروع؟ - كانت الرؤية واضحة لدينا بعد تحديد موضوعه بالفن المعماري في مرآة الفن المعاصر، وكلفنا 8 فنانين بتوثيق هذا الفن في الخليج مع الحرية المطلقة لهم في التركيز على الأمور التي يرونها جديرة بالاهتمام، وحرصنا على أن تكون مقاربة الفنان ضمن الإطار العام للمعرض، واخترنا من الخليج : حافظ علي (قطر) لمياء قرقاش (الإمارات) بشرى المتوكل (اليمن)، ود عبدالجواد (السعودية) كميل زكريا (البحرين) وثلاثة آخرين من بريطانيا وهم توم لوفليس، تيم هيذرجنتون، هيزل طومسون. ومع جلسات العمل التحضيرية مع كل فنان تبلورت فكرة مشروعه الخاص، وقمنا سوية بتعديل المخططات الأولية لشكل المنتج النهائي، على سبيل المثال: كانت ود تقترح التقاط صور لصديقاتها أمام الأبنية القديمة في وسط جدة القديمة، وبعد المناقشة تم الاتفاق على تجهيز العمل على هيئة عرض مرئي سمعي يرافق الصور تسجيلات توثق الحكايات الشعبية عن سكان تلك البيوت المهددة بالزوال، الغاية من ذلك الإشارة إلى أن هذه الذكريات والقصص مرتبطة بهذه المعالم التراثية، وعندما تختفي هذه الأماكن من الوجود، سيختفي معها التراث الشفاهي، وآثار حياة أولئك الأشخاص. ما المعايير التي اعتمدت عليها لاختيار الصور وطريقة عرضها... دعنا نتحدث تحديداً عن مشروع كميل زكريا؟ - كانت الحصيلة النهائية لمشروع كميل 8 آلاف صورة، طبعاً لا توجد مساحة كافية لعرضها، لذلك اخترنا 64 صورة ضمن سياق محدد تسرد حياة المجتمع الريفي في إحدى القرى القريبة من مسقط في عمان، وتوثيق التغيّرات الطارئة عليه بفعل هجرة الشباب للمدن بحثاً عن عمل، وركزنا أكثر على تصوير أعمال المزارعين الذين تزدهر بساتينهم على ضفاف الوادي، كان هدفنا التذكير بأن الماء عصب الحياة، وأن ما نفعله يؤثر سلباً أو إيجاباً في الأجيال القادمة، ولذلك تجب العناية بالموارد الطبيعية لضمان استمرار الحياة في هذه البيئة في المستقبل. وعلى هذا الأساس رتبنا الصور في المعرض على شكل نهر مائي متخيل بدءاً من منبعه في الجبال وصولاً إلى البحر، ويمكن للزائر ملاحظة مظاهر الحياة في هذا المجتمع في مشاهد مصورة على ضفاف النهر، وطبيعة الأنشطة التي يمارسها الناس في البيوت والمزارع وسوق القرية. كميل كان مأخوذاً بفكرة الكولاج لبناء صورة مركبة من عناصر مختلفة المرجعيات مثل صورة الطفلة التي تلعب بالرمل وخلفها حطام سيارات قديمة. لماذا اختلفت الوسائط المستخدمة لكل مشروع؟ - فكرة العمل هي التي تفرض نوع الوسيط، وتعددها يمنح طابع الحيوية للمعرض، بالتأكيد سيشعر الزائر بالملل عندما يكون المعرض مجرد صور معلقة على الجدران. ولهذا استخدمنا «الملتيميديا» لعرض مشروع هيزل طومسون الذي يتابع حياة عشر نساء في البحرين وقطر، والصور المعروضة كانت تمثيلاً لحياتهن اليومية وهن في حركة دائمة في البيت والسوق والعمل. وبالنسبة إلى مشروع حافظ علي فإن موضوعه عن بدايات السينما في قطر مطلع الستينات الميلادية، ولذلك من البديهي أن يختار الفيلم الوثائقي وسيطاً ليحكي مسيرة السينما، التي بدأت في البيوت القديمة ثم انتقلت إلى دار عرض خاصة أصبحت اليوم مبنى أثرياً مهجوراً بعد بناء دُور السينما الحديثة. ما الغاية من الحوار الذي قمت بإدارته مع الفنانين والفنانات، لتقديم أعمالهم للجمهور في حفلة الافتتاح في جدة؟ - ليس كافياً مشاهدة الصور والاطلاع على «الكتالوج» الذي يتضمن معلومات توصيفية عن كل مشروع وسيرة ذاتية لكل فنان، ولم يكن الغرض من الحوار الإجابة على أسئلة الزوار فقط، حديث الفنان عن مشروعه يمنح المتلقي مفاتيح لاستنطاق هذه النصوص البصرية، ويفتح له آفاقاً لاستكشاف الفن الفوتوغرافي، أما الفوتوغرافيون الذين حضروا هذا اللقاء فاستطاعوا التعرف على أنواع التصوير الوثائقي مثل الريبورتاج والطبوغرافي، وطرح ملاحظاتهم حول التفاصيل التقنية. ما الوسائل التي تقترحها لجذب الزوار لحضور المعارض الفنية والفعاليات الثقافية بشكل عام؟ - عليك أن تسأل نفسك: ماذا يريد المتلقي مشاهدته؟ ومَنْ هي الفئة المستهدفة؟ وأن تحرص على أن تكون زيارة المعرض تجربة فريدة لا يمكن نسيانها حتى يشعر الزائر بالمتعة والفائدة. الزائر بدوره سيخبر عائلته وأصدقاءه وزملاءه في العمل، وهذه أفضل طريقة لترويج المعرض. أيضاً الحرص على الترويج للمعرض عن طريق الإعلانات والتغطية الإعلامية، ومواقع الشبكات الاجتماعية على الإنترنت. أيضاً قدمنا أنشطة ضمن فعاليات المعرض كان لها الدور الكبير في جذب المهتمين بالتصوير الفوتوغرافي وطلاب المدارس والجامعات والعائلات، مثل ورش عمل التصوير الوثائقي، ومسابقة التصوير، والعروض الفلكلورية.