يولد الإنسان وهو يحمل معه شهادة فنائه فمن بداية مولده تعمل قوة النمو دورها في جسمه حتى يبلغ أشده ويصعد إلى ذروة القوة ثم تظهر الظاهرة الأخرى المضادة قوة الفناء فتبدأ عملها لتناقض قوة النمو وتبدأ مرحلة الفناء من هذه الدنيا. هذا القانون هو الثابت والدائم في جميع مخلوقات الله في هذا الكون وفي كل فعل من أفعال الإنسان وكل تصرف أو حركة أو سكون في المادة والجوهر وفي الشكل والمعنى وفي كل ما هو كائن وما سيكون فيما نعلمه وما نجهله. لأنه ليس في الحياة الدنيا التي نعيشها والتي قدرها لنا الخالق عزّ وجلّ ليس فيها قدرات مطلقة ولا إمكانيات مطلقة ولا صفات مطلقة ولا واجبات مطلقة ولا نجاح مطلق ولا فشل مطلق وليس هناك شيء مطلق لأن المطلق هو الله جل في علاه وهو القادر فقط سبحانه وتعالى لا يحده مكان ولا يخضع لزمان ولا يحيط به الإدراك ولا تدركه الأبصار . وما سواه جلّ جلاله تجري عليه قوانين الوجود ونواميس الحق التي وضعها لخلقه كما شاء تعالى أن تكون حتى يعطي لكل إنسان حقه على عمله خيراً أو شر . والإنسان لديه ارتباط وعامل مشترك بين المادة والروح فللمادة متطلباتها وللروح متطلباتها والصراع بينهما قائم منذ بدء الخليقة وسيظل قائماً موجوداً حتى يرث الله الأرض ومن عليها وغالباً يكون المنتصر في هذا الصراع هو الجانب الروحي وفي تأمل لظواهر الحياة في هذه الدنيا وأسرارها وقوانينها يتأكد لنا بأن النفس البشرية منذ وجدت في هذه الحياة تبحث عن الغنى والثراء والجاه والشهرة وحب السلطة وهذا إجمالاً هو ديدن كل نفس بشرية بشكل عام وهذا طموحه وغايته والمحرك الأول لكل هذه القوى هي الغرائز والشهوات وما فيه من طاقة خير أو شر أو فضيلة أو رذيلة وقد يتحول الإنسان من نجم لامع ذا شهرة واسعة إلى فشل ذريع وإفلاس تام فترى الألسن والأقلام التي كانت تمتدحه وتثني عليه وتعدد محاسنه قد انقلبت عليه لتنهشه بعد سقوطه من علياء المادة لتنسب إليه كل رذيلة أو شماتة أو أشياء أخرى مناقضة لما قيل فيه عندما كان في عليائه . هكذا هي الحياة كانت وستكون يصفق الناس ويتجمعون حول نجوم الشهرة والنجاح وأصحاب الثروات ويكيلون له بالمديح والثناء والإعجاب والإشادة وقد يرقى البعض لجعل بعض أقواله حكمة وقاعدة للحياة وقد يكون قدوة لأصحاب الأحلام ممن يطمحون إلى هذا العلياء البائد والزائل فإذا بدأت تسري عليه قوانين الفناء والنزول من عليائه شمتوا فيه وطالته ألسنتهم الحادة بشتى أنواع النقد والشماتة. هكذا هي الحياة عندما تطغى المادة على الروح والمال على القيم والأخلاق .وكما يقول المثل : ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع .