وزير البيئة: المملكة تواجه تحدي تدهور الأراضي بعدد من المبادرات    رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي: السعودية شهدت تطورا يعكس طموحها الاقتصادي    جمعية اصدقاء البيئة تنفذ مبادرة لتنظيف شاطئ الصدف بالتعاون مع عدد من الجهات    الرياض تستضيف مباحثات عربية إسلامية أوروبية حول غزة    وزير الخارجية ونظرائه في عدة دول يستعرضون أوضاع غزة    افتتاح الملتقى السنوي الثاني للأطباء السعوديين في إيرلندا    وقاء الباحة" يبدأ حملة التحصين لأكثر من 350 ألف رأس ماشية ضد مرض الحمى القلاعية لعام 2024م    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبدالرحمن بن فيصل بن معمر    أشباح رقمية    المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة تبرم عدداً من الاتفاقيات    خادم الحرمين الشريفين يهنئ رئيس جمهورية توغو بمناسبة ذكرى يوم الإستقلال لبلاده.    منتدى الرعاية الصحية السعودي الأمريكي يحتفي بالابتكار والتعاون في تكنولوجيا الرعاية الصحية    نائب أمير منطقة مكة المكرمة يستقبل الرئيس التنفيذي لبنك التنمية الاجتماعية    أمير دولة الكويت يصل إلى الرياض    أمير تبوك يواسي أبناء أحمد الغبان في وفاة والدهم    مؤتمر أورام الكبد يختتم فعالياته بالخبر بتوصياتً هامة    النصر يؤمن مشاركته في السوبر السعودي    صدور الموافقة السامية علي تكليف الأستاذ الدكتور عبدالله بن عبد العزيز التميم رئيساً لجامعة الأمير سطام    ساعة أغنى رُكاب "تيتانيك" ب1.46 مليون دولار    رسمياً.. الزي الوطني إلزامي لموظفي الجهات الحكومية    11قطاعًا بالمملكة يحقق نموًا متصاعدًا خلال الربع الأول ل 2024    محافظ خميس مشيط يدشن مبادرة "حياة" في ثانوية الصديق بالمحافظة    وزير البيئة يفتتح أعمال منتدى المياه السعودي غدًا بالرياض    أمطار تؤدي لجريان السيول بعدد من المناطق    وفاة الأمير منصور بن بدر بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود    طابة .. قرية تاريخية على فوهة بركان    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية.. استمرار الجسر الإغاثي السعودي إلى غزة    النصر يضمن المشاركة في أبطال آسيا 2025    وزير الدفاع يرعى تخريج الدفعة (82) حربية    وزير الإعلام ووزير العمل الأرمني يبحثان أوجه التعاون في المجالات الإعلامية    فريق طبي سعودي يتفوق عالمياً في مسار السرطان    برعاية الملك.. وزير التعليم يفتتح مؤتمر «دور الجامعات في تعزيز الانتماء والتعايش»    العرض الإخباري التلفزيوني    وادي الفن    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    «هندوراس»: إعفاء المواطنين السعوديين من تأشيرة الدخول    مؤتمر دولي للطب المخبري في جدة    أخصائيان يكشفان ل«عكاظ».. عادات تؤدي لاضطراب النوم    وصمة عار حضارية    الأخضر 18 يخسر مواجهة تركيا بركلات الترجيح    الهلال.. ماذا بعد آسيا؟    الاتحاد يعاود تدريباته استعداداً لمواجهة الهلال في نصف النهائي بكأس الملك    سنة «8» رؤية    (911) يتلقى 30 مليون مكالمة عام 2023    تجربة سعودية نوعية    انطلاق بطولة الروبوت العربية    السجن لمسعف في قضية موت رجل أسود في الولايات المتحدة    ألمانيا: «استراتيجية صامتة» للبحث عن طفل توحدي مفقود    أمير الرياض يوجه بسرعة رفع نتائج الإجراءات حيال حالات التسمم الغذائي    الأرصاد تنذر مخالفي النظام ولوائحه    التشهير بالمتحرشين والمتحرشات    استقلال دولة فلسطين.. وعضويتها بالأمم المتحدة !    واشنطن: إرجاء قرار حظر سجائر المنثول    المسلسل    إطلاق برنامج للإرشاد السياحي البيئي بمحميتين ملكيتين    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطيب المسجد الحرام: تلمَّسوا الخيرَ والبركة مع كبار السن
نشر في تواصل يوم 16 - 03 - 2018

استهلَّ إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي خطبته قائلاً: أمة الإسلام، تتقلب بالإنسان مراحل حياته، فمن ضعف في المهد، لا يملك لنفسه حولاً ولا قوة، إلى أن يشتد عوده ويبلغ أشده، ثم ما هي إلا سنون وأعوام قليلة، حتى يصير إلى الضعف مرة أخرى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾.
لقد كان نبينا، صلى الله عليه وسلم، يوصي بالرحمة بالضعفاء، صغاراً وكباراً، أطفالاً وشيوخاً، ويحثّ على ذلك بقوله وفعله، ففي سنن الترمذي بسند صحيح، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (ابْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ، فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ).
قال أهلُ العلم: أي: اطلُبُوا محبَّتِي وقُربِي ورِضايَ في ضُعفائِكم، وتفقَّدُوا أحوالَهم، واعتَنُوا بهم، واحفَظُوا حُقوقَهم، واجبُرُوا قلوبَهم، وأحسِنُوا إليهم قولاً وفعلاً، ومن مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم بالضعفاء: رحمته بالصغار، فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، قَالَ: «كَانَ إِبْرَاهِيمُ مُسْتَرْضِعًا لَهُ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ، فَكَانَ يَنْطَلِقُ وَنَحْنُ مَعَهُ فَيَدْخُلُ الْبَيْتَ، فَيَأْخُذُهُ فَيُقَبِّلُهُ ثُمَّ يَرْجِعُ» رواه مسلم.
وفي صحيح البخاري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لرجلٍ كان لا يُقبِّل أولاده: (أَوَ أَمْلِكُ لَكَ، أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ).
فكان صلى الله عليه وسلم يهتم بالصبيان: يخالطهم ويمازحهم، ويسأل عن أحوالهم ويراعي مشاعرهم، فعن أنس ابن مالك رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: (يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ)، نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ، فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلاَةَ وَهُوَ فِي بَيْتِنَا، فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ، فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ، ثُمَّ يَقُومُ وَنَقُومُ خَلْفَهُ، فَيُصَلِّي بِنَا) رواه البخاري.
وكان بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم رفيقاً بهم، يراعي طفولتهم، وحاجتهم إلى اللعب، فيؤدب ولا يثرّب، ويذكر ولا يوبخ، ففي صحيح مسلم، قَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: (( كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا، فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا أَذْهَبُ، وَفِي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي، قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ: "يَا أُنَيْسُ، أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ؟" قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللهِ.
وأردف المعيقلي قائلاً: أمة الإسلام وكما أمر صلى الله عليه وسلم بالرحمة والعطف على الصغير، أمر كذلك باحترام الكبير وتوقيره، وحسن رعايته وإجلاله، فعن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قال: جَاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَبْطَأَ القَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا". رواه الترمذي بسند صحيح، أي: ليس على هدينا وطريقتنا، من لا يعطف ويرفق بصغيرنا، ولا يجل ويوقر كبير السن فينا، فيقدمه على غيره من الناس؛ لشيبته في الإسلام، وتقدم سنه وضعفه، وفي شعب الإيمان، بشَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ يرحم الصغير ويوقِّر الكبيرَ، بمرافقتِهِ فِي الجنةِ، فعَنْ أنَسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَنَسُ، وَقِّرِ الْكَبِيرَ وَارْحَمِ الصَّغِيرَ، تُرَافِقُنِي فِي الْجَنَّةِ".
فيا معاشر المؤمنين: كيف لا نجلّ كبير السن فينا، ورَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:(إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ، إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ). رواه أبو داود بإسناد حسن، كيف لا نوقر كبيرنا، ورسولنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:(الْبَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ). رواه ابن حبان في صحيحه.
وأضاف فضيلته: "يا من تبحثون عن الخير والبركة في حياتكم، تلمسوها مع كبار السن فيكم، إنها بركة البر والإحسان، والرأي والمشورة، والمجالسة والمؤانسة"، و يا كبار السن: رحم الله ضعفكم، وجبر كسركم، وضاعف حسناتكم، فأنتم الذين قدّمتم وضحيتم، وربيتم وعلمتم، ولئن نُسِيَ فَضلُكُم، فإن الله لا ينسى، ولئن جُحِدَ مَعرُوفُكُمْ، فإن البر لا يبلى، ثم إلى ربكم المنتهى، وعنده سبحانه تجدون الجزاء الأوفى، والجزاء من جنس العمل، فمن أكرم ذا شيبة مسلم، أطال الله في عمره، وقيض له من يحسن له في كبره، ففي سنن الترمذي، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ، إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ).
وأشار المعيقلي: أن من حق كبار السن علينا، إكرامَهم وتوقيرَهم، وتزيينَ صدورِ المجالس بهم، ومناداتِهم بأحب الأسماء إليهم، والبشاشةَ في وجوههم، والعفوَ والصفحَ عن زلاتِهم وهفواتِهم، وذكرَ محاسنهم وأعمالهم، فهم أشدُّ ما يكونون رغبة في الحديث عن ماضيهم وإنجازاتهم.
وهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم، على جلالة قدره، يعلمنا كيف يكون إجلالُ الكبير وتوقيرُه، ومؤانستُه وملاطفتُه، ففي مسند الإمام أحمد، جَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِأَبِيهِ أَبِي قُحَافَةَ، إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، يَحْمِلُهُ حَتَّى وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ:(لَوْ أَقْرَرْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ، لَأَتَيْنَاهُ)، ثم دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم للإسلام فأسلم.
وفي الشمائل للترمذي، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: " دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَعِنْدِي عَجُوزٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ الْعَجُوزُ؟ "، فَقُلْتُ: مِنْ خَالَاتِي، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ، فَقَالَ:( يَا أُمَّ فُلَانٍ، إِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَدْخُلُهَا عَجُوزٌ)، فَوَلَّتْ تَبْكِي، فَقَالَ: (أَخْبِرُوهَا أَنَّهَا لَا تَدْخُلُهَا وَهِيَ عَجُوزٌ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً* فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا).
ولا شك معاشر المؤمنين، أن كبر السن، مظنة السآمة والتعب، والوهن وضعف الجسد، وما يكون نتيجة لذلك، من قلة الصبر وحدة اللسان، ومع ذلك، فقد كان صلى الله عليه وسلم يُداريهم، ويعطف عليهم، ويُعطيهم ويُسلِّيهم، كلُّ هذا لأجل شيبتهم في الإسلام، وسنِّهم وضعفهم.
وبين فضيلته أن رعاية كبار السن، والقيام على مصالحهم وشؤونهم، من أعظم القرب، وأجَلِّ الوسائل لتفريج الكرب، وتيسير كل أمر عسير، وخاصة إذا كان كبير السن أبا أو أما، كما في الصحيحين من قصة النفر الثلاثة، الذين آوَاهم المبيت إلى غارٍ، فدخلوا فيه فانحدرت عليهم صخرة، فسدت عليهم الغار، فتوسل كل واحد منهم بصالح أعماله، فكانت وسيلة أحدهم، قيامه بهذا الحق العظيم، حق رعاية أبويه الشيخين الكبيرين، فكان سببا في نيل مطلبه وتفريج كربته.
بل إن السعي على الأبوين، الشيخين الكبيرين، ميدان من ميادين الجهاد في سبيل الله، ففي معجم الطبراني: عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَرَأَى أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ جَلَدِهِ ونَشَاطِهِ مَا أَعْجَبَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يَعِفُّها فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وتَفَاخُرًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَان).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾.
واستهل المعيقلي خطبته الثانية قائلاً: معاشر المؤمنين إن الفسحة في العمر، نعمة عظيمة، يَمُنُّ الله بها على من شاء من عباده، فاستثمروا يا عباد الله، هذه النعمة فيما يرضي ربكم، ويعلي منزلتكم، واستدركوا ما فات، بالاستعداد لما هو آت، فليس فيما بقي من العمر، أطول مما فات، ولنجعل مسك ختام العمر طاعة،من ذكر وصلاة وصيام، وصدقة واستغفار، فإنما الأعمال بالخواتيم، ومن عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعث عليه.
وقد يدرك العبد بطول العمر مع حسن العمل، أعظم من درجة المجاهد في سبيل الله، ففي مسند الإمام أحمد، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلَيْنِ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ إِسْلامُهُمَا جَمِيعًا، وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْ صَاحِبِهِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ مَكَثَ الْآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ، قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، كَأَنِّي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، إِذَا أَنَا بِهِمَا، وَقَدْ خَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الجَنَّةِ، فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الْآخِرَ مِنْهُمَا، ثُمَّ خَرَجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ رَجَعَا إِلَيَّ فَقَالا لِي: ارْجِعْ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ، فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ، فَعَجِبُوا لِذَلِكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ؟) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا كَانَ أَشَدَّ اجْتِهَادًا ثُمَّ اسْتُشْهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَدَخَلَ هَذَا الْجَنَّةَ قَبْلَهُ، فَقَالَ: (أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟) قَالُوا: بَلَى، قال: (وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ؟) قَالُوا: بَلَى، قال: (وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا سَجْدَةً فِي السَّنَةِ؟) قَالُوا: بَلَى، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَلَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ).
فهنيئا لمن طال عمره وحسن عمله، ويا خسارة من أمد الله له في عمره، ورزقه عافية في جسده، ثم لا يكون عمله في رضى ربه، فعن بْنِ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ، قَالَ: (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ)، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ ). رواه الترمذي بسند صحيح.
فنسأل الله تعالى، بفضله وكرمه، وجوده ومنته، أن يمنَّ علينا بطُول العمر وحُسن، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.