كانت بصيرة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالرحمن بن محمد بن عبدالله بن باز، نافذة في عمق الدين الذي أبحر فيه منذ صغره، وحينما ابتلاه الله في حبيبتيه وهو في ال 20 من عمره لم يجزع أو يفزع من قدر الله، فكان أن واصل الدرس ونهل العلم بقوة حافظة مذهلة حتى أصبح أحد أشهر علماء الإسلام في العصر الحديث، ومع أنه لا يبصر أنجز أكثر من 60 مؤلفا مطبوعا عدا ما لم تتم طباعته، ما يضعه كعبقري وهبه الله ما يغنيه عما أخذه منه. اشتهر الشيخ الراحل بالتقوى والورع والذكاء، وذلك بعض من خصاله وصفاته المتعددة التي جعلته يحتل مقاما عليا بين الناس، كما أنه لم يقف عند الاشتغال بالتدريس والوعظ والإرشاد بل كان له مجهوده الدعوي من خلال تسلمه عددا من المناصب التي يقوم من خلالها على أمر الناس، وخدمة المؤسسات الدينية، فقد عمل «رحمه الله» رئيسا لإدارات البحوث العلمية والإفتاء، ثم مفتيا عاما للمملكة ورئيسا لهيئة كبار العلماء، ورئيسا للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ورئيسا وعضوا للمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، ورئيسا للمجلس الأعلى العالمي للفتاوى، ورئيسا للمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي. ووصفه أحد تلامذته صاحب كتاب «الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز» بقوله: «هو الإمام الصالح الورع الزاهد، أحد الثلة المتقدمين بالعلم الشرعي، ومرجع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، في الفتوى والعلم، وبقية السلف الصالح في لزوم الحق والهدي المستقيم، واتباع السنة الغراء»، ولعل ذلك بعض من القبس المشرق في سيرة الشيخ الراحل الذي أفنى عمره في خدمة الإسلام. وكحال العلماء الأجلاء الذين يرقيهم الله ويقيمهم المقامات العليا، كانت للشيخ الراحل محبة العامة والخاصة، وعزة العلماء وهيبتهم وعظيم مكانتهم، وما ذلك إلا لقوة النشأة الدينية الصحيحة، وجميل الصفات ومحاسنها وكريم الأخلاق وفضائلها، فهو الشيخ الورع المتواضع الذي يترفع عن الصغائر وساقط القول، ومرذول اللفظ، وخادش الحياء، فكسب أجمل الحب وأجزل الاحترام وأصدق الوفاء، وكل ذلك من فضل الله عليه وهو الصابر والمحتسب في نفسه وجهده الدعوي الذي عم أكثر بلاد الإسلام والمسلمين. كل من عرفه من قرب يدرك أنه كان صاحب بصيرة نافذة، وفراسة حادة، وشاهد ذلك أنه يعرف الرجال وينزلهم منازلهم، فيعرف الجاد منهم في هدفه ومقصده من الدعاة وطلبة العلم فيكرمهم أشد الإكرام، ويقدمهم على من سواهم، ويخصهم بمزيد من التقدير ويسأل عنهم وعن أحوالهم دائما، وقد ترك خلفه من التراث العلمي والفقهي كثيرا من المؤلفات التي تعين طلاب العلم.