عديدة هي التحديات التي ينبغي أن تكثف الحكومة من جهودها لمواجهتها باستراتيجيات فاعلة وموارد مالية كبيرة، ومن أبرزها قضايا خلق فرص عمل للمواطنين، وتنويع مصادر الدخل الحكومي، وتطوير مخرجات التعليم، وخفض الاستهلاك المحلي المتزايد من الطاقة، والسيطرة على التضخم للحد من ارتفاعات الأسعار، ومواكبة نمو الطلب على المياه والكهرباء والخدمات الصحية، والحد من الاستقدام، ومواجهة التطرف الفكري. وتشغل قضية توفير مساكن للمواطنين مكانة متقدمة على قائمة التحديات الوطنية باعتبار أن المملكة دولة قارية المساحة ذات نمو سكاني متسارع بنسبه تقدر بنحو 2.5 في المائة سنويا، ويتوقع أن يصل عدد سكانها إلى 30 مليون نسمة بحلول العام 2017، ولا يمتلك نحو 65 في المائة من مواطنيها مساكنهم، كما يقل معدل دخل 70 في المائة من الموظفين عن 8 آلاف ريال شهريا، ويشكل المواطنون دون سن 40 عاما حوالى 80 في المائة من السكان السعوديين، وقد يصل حجم العجز في المنازل فيها إلى مليون مسكن خلال العام المقبل، فيما ينتظر نحو مليونين و400 ألف مواطن دورهم للحصول على قروض صندوق التنمية العقاري، وترتفع كلفة الأراضي السكنية إلى مابين 50 إلى 60 في المائة من قيمة البناء في عدد من المدن الرئيسية، مقارنة بنحو 15 إلى 25 في المائة في الظروف الطبيعية، الأمر الذي يرفع باستمرار أسعار المنازل وبالتالي يزيد من نسبة المواطنين الذين يسكنون في بيوت مستأجرة. وعلى ضوء هذه الحقائق والأرقام فإن هناك حاجة ملحة لأن تتبنى الدولة، ممثلة في وزارة الإسكان مفاهيم أكثر كفاءة وتنظيما مما اعتمد حتى الآن، من أجل تحفيز نمو قطاع الإسكان، ليس فقط باعتباره مكونا أساسيا لأمننا الاجتماعي، بل لأنه أيضا عنصر مهم لتعزيز الولاء للوطن. واستباقا لصدور الاستراتيجية الوطنية للإسكان التي تعكف وزارة الإسكان على إعدادها حاليا، ومن المرتقب الإعلان عنها في الربع الأول من العام الميلادي المقبل فإن هناك حزمة من التحديات التي ينبغي على الوزارة وضعها في الاعتبار باعتبارها أدوات لتنفيذ الاستراتيجية المنتظرة، مثل إعادة هيكلة صندوق التنمية العقاري بتحويله إلى بنك إسكان لتحريره من قيود البيروقراطية وزيادة قدرته على التفاعل بشكل أكثر إيجابية مع إشكالية نقص المساكن، دعم رأس مال الصندوق «أو بنك الإسكان» بمصدر مالي مستقل ومستمر مثل أموال زكاة الأراضي البيضاء التي يتم تنميتها من خلال صندوق استثماري يتم تأسيسه لهذا الغرض ويتم توجيه عوائده لدعم مشاريع الإسكان، إضافة إلى تخفيض قوائم مقترضي الصندوق المتعثرين في السداد باستقطاع الأقساط من أجورهم عبر النظام البنكي أسوة بالقروض المصرفية الشخصية، وغيرها الكثير. ولكن الأمر المؤكد هو أن وزارة الإسكان لابد أن تضع نصب عينيها هذه التحديات إذا ما أرادت حل أزمة السكن والنجاح في امتحان الاستراتيجية الوطنية المرتقبة للإسكان، مع إدراكنا بأن عددا من تلك التحديات تندرج تحت مسؤوليات أجهزة حكومية أخرى مثل وزارات المالية، والعدل، والشؤون البلدية والقروية، والتربية والتعليم، والتجارة، والنقل، والكهرباء والمياه، إضافة إلى مؤسسة النقد. وفي سبيل إصدار استراتيجية وطنية للإسكان تتسم بالكفاءة والقدره على تيسير امتلاك المواطنين للمنازل فإن هناك مهمة وطنية صعبة بانتظار وزير الإسكان حيث ينتظر الكثيرون من وزارته أن تغير نمط حياتهم بنقلهم من خانة المستأجرين إلى الملاك في رحلة تبدأ بالتنسيق مع الوزارات ذات الصلة والاستعانة بمجلس الشورى لتذليل كل المعوقات والاستفادة من تجاربه الناجحة في اقتراح الأنظمة اللازمه لدعم الاستراتيجية المنتظرة. ولعل ذلك هو بداية نجاح الوزارة في تحقيق هدفها الرئيس وهو تنفيذ رؤية مليكنا المفدى نحو زيادة فرص المواطنين من ذوي الدخل المنخفض والمتوسط في امتلاك مساكنهم في دولة لا تنقصها الموارد بقدر ما تحتاج لعزائم المخلصين من رجالها واعتبار ذلك الهدف هو أحد أبرز حقوق المواطنة في المملكة. ويبقى أن هناك مقترحا يتمثل في النظر بإمكانية إنشاء مجلس أعلى للإسكان يتولى رسم التوجهات الرئيسية للإسكان وتحديد الأهداف وفق جدول زمني وإقرار الاستراتيجية الوطنية في هذا المجال ومتابعة التنفيذ والتدخل لتذليل التحديات.