وسط تنوع سلالات الإبل المنتشرة في الجزيرة العربية، تبرز سلالة "الأوارك" كأحد الكنوز التراثية المنسية، التي لم تنل بعد نصيبها من التوثيق الرسمي والاهتمام المؤسسي، على الرغم مما تتمتع به من خصائص فريدة، وتاريخٍ ضارب في عمق الثقافة العربية. وارتبطت الأوارك بتاريخ العرب منذ القدم، وذُكرت في أشعارهم كواحدة من "كرائم الأموال"، كما في قول الشاعر: فما سرّني إن زرتها أنَّ لي بها كرائمَ عوذٍ المُتلِياتِ الأواركِ وأُطلق عليها هذا الاسم لارتباطها بشجر "الأراك"، الذي تتغذى عليه بشكل مفضل، مما يمنح لبنها نكهة مميزة تميّزها عن غيرها، ويذكر "لسان العرب" أن اعتمادها على الأراك ليس مجرد تفضيل غذائي، بل عنصر بيئي يربطها ارتباطًا وثيقًا بأودية الجنوب ومناطق نمو هذا النبات. وفي خطوة تهدف إلى لفت الأنظار لهذه السلالة النادرة، أُقيم مؤخرًا بمحافظة أحد المسارحة في منطقة جازان مخيم تعريفي خاص بإبل الأوارك، شهد مشاركة عدد من المربين والمهتمين بثقافة الإبل، وتحدث صاحب المبادرة أبو حسن العبدلي، خلال الفعالية قائلاً: منذ صغري وأنا مرتبط بالإبل، وكبرت وكبر هذا الشغف معي.، واليوم أطمح إلى تطوير هوية الإبل الأوارك، وتعزيز حضورها في نادي الإبل إلى جانب السلالات الأخرى، مشيراً إلى امتلاكه خبرة طويلة في تمييز الأوارك الأصيلة عن المهجنة، داعيًا إلى توثيق السلالة والاهتمام بها قبل أن تتعرض للاندثار أو التهميش. وتتسم الإبل الأوارك بجسم متوسط الحجم وهيئة متناسقة، تجعلها ملائمة للتنقل في التضاريس الوعرة والمتنوعة بجنوب الجزيرة، وتتميز برأس صغير، وآذان قائمة، وسبال قصيرة، ولون ناصع يزيد من جمالها ويفرزها عن السلالات الأخرى. وتمتاز بغزارة الحليب وجودته العالية، لا سيما حين تتغذى على نباتات الأراك، وهي من الإبل الاقتصادية في التربية، نظرًا لقلة حاجتها للطعام واعتمادها على موارد طبيعية متاحة في البيئة الصحراوية. ومن حيث القدرة الجسدية، فتُعرف الأوارك بقدرتها على التحمّل، ومقاومة الجفاف، وسرعتها، خاصةً في أنواع الهجن منها. بينما تتميز مجاهيمها بقدرتها على حمل الأحمال الثقيلة، مما يجعلها خيارًا مثاليًا لمربي الإبل الباحثين عن التوازن بين الوظيفة والقوة. وواحدة من الصفات التي جعلت هذه السلالة مفضّلة لدى المربين في جازان ومحيطها، هي ارتباطها الوثيق بموطنها، إذ تؤكد مصادر تراثية مثل "موسوعة الثقافة التقليدية في المملكة العربية السعودية" أن الأوارك لا تميل للابتعاد عن بيئتها الأصلية، وتبقى قريبة من مجاري الأودية وأماكن نمو الأراك، مما يجعلها أكثر أمانًا من حيث الرعاية والرعي. وعلى الرغم من حضورها المتجذر في التراث المحلي، لا تزال سلالة الأوارك خارج إطار المشاركة الرسمية في مهرجانات الإبل الكبرى كمهرجان الملك عبدالعزيز للإبل، وطالب مربوها بضرورة الاعتراف بها رسميًا، وإدراجها ضمن منافسات "الصياهد"، لتعزيز التنوع الجيني والثقافي للإبل في المملكة، ودعم المجتمعات الريفية التي لا تزال وتمثل الأوارك فرصة لإعادة قراءة العلاقة بين الإنسان وبيئته، ولربط الثقافة المحلية بالتنمية المستدامة، فحفظ هذه السلالة لا يعني فقط حماية نوعٍ حيواني مميز، بل هو أيضًا حماية لهوية ثقافية وجزء من تاريخ الجزيرة العربية، يستحق أن يُروى ويُحتفى به. الأوارك تلتزم بالبقاء في موطنها الأصلي