أدلف إلى المسجد والإمام يعلن قيام الصلاة فأجد بعض المصلين لايزال يركع ويسجد يؤدي النافلة غير عابئ بقيام الفريضة، متجاهلا أن الأصل في أداء النوافل أن تكون في البيوت، يقول عليه الصلاة والسلام: «خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة». فتح الباري (3855/7047)، ومسلم/ شرح النووي (308/1770). وقوله: «اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبورا». وقوله عليه الصلاة والسلام: «أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة». وقوله: «أما صلاة الرجل في بيته فنور فنوروا بيوتكم». وكل هذا يؤكد استحباب فعل النوافل في البيوت وأنها أفضل من المساجد. ولكن الملاحظ أن أغلب الناس اليوم يؤدونها في المساجد مع تحية المسجد التي لا محل لها إلى المسجد. فيقع التعارض والتضارب في أداء هذه السنن والرواتب بعد أن قامت الصلاة المكتوبة والمرء متلبس بالنافلة. أو أن يكون المرء قد شرع في النافلة ثم تقام المكتوبة. فما الذي عليه أن يفعله ..؟ هل يقطع النافلة ويدخل مع الجماعة في المكتوبة ..؟ أو أنه لا يدخل أصلا في النافلة إن قامت المكتوبة ..؟ أو أنه لا يقطع النافلة إلا إذا خشي أن تفوته ركعة من المكتوبة ..؟ أو خشي أن تفوته تكبيرة الإحرام مع الإمام ..؟ أو أن تفوته الركعة الثانية من صلاة الفجر ..؟ أو أن تفوته ركعة صلاة من صلاة الجمعة ..؟ أو أنه لا يقطعها إن كانت هذه النافلة هي ركعتا الفجر ويقطعها في غيرها من السنن والرواتب أو تحية المسجد ..؟ أو أنه يقطعها مطلقا إن كان في الصف الأول ولا يقطعها في الصفوف الأخيرة ..؟ أو أنه يقطعها إن كان في المسجد ولا يقطعها إن كان خارجه أو حول باب الدخول..؟. والحديث في هذا الباب كما رواه مسلم والترمذي/ تحفة الأحوذي (308/418) والنسائي/ شرح السندي (525/860) من حديث أبي هريرة الذي جاء على عموماته في قوله عليه الصلاة والسلام : «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة». أي أنه لا ينبغي لأحد من الناس أن يشرع في صلاة النافلة أيا كانت بعد إقامة المكتوبة. ولا ينبغي الاستمرار في النافلة إن قامت المكتوبة. جاء هذا في شرح السندي في قوله عليه الصلاة والسلام، فلا صلاة ... نفي بمعنى النهي، مثل قوله تعالى: «فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج». فالحديث لم يرد فيه تفصيل ولا ترتيب في الأولويات التي يمكن أن يقع فيها المرء. ولذلك اختلف أهل العلم في هذه المسألة على تسعة أقوال ذكرها الشوكاني في نيل الأوطار (2/84). منها أن يقطع النافلة مطلقا إن أقيمت المكتوبة. ومنها أنه لا يقطعها إلا إذا خشي فوات ركعة مع الإمام، أو الركعة الأخيرة في صلاة الفجر إلى آخره. ولكن الذي ينبغي أن يأتي وهو الذي يقع فيه كثيرون من الناس هذه الأيام من مجئ أحدهم إلى المسجد ثم يتقدم إلى الصف الأول لا سيما في مساجد الأحياء الصغيرة في صلاة الفجر ويشرع في أداء ركعتي الفجر. ثم ما يلبث قليلا حتى تقام الصلاة، فلا يلقي لذلك أيما اعتبار ويستمر في نافلته فيضطرب الصف وتختل أحكامه. فإما أن ينتظره الإمام فلا يدخل في تكبيرة الإحرام حتى ينتهي هذا من نافلته. وهذا بدعة لا أصل لها في الشرع. وإما أن يشرع الإمام في تكبيرة الإحرام فتنعقد الصلاة ويدخل الناس معه والصف فيه اضطراب وخلل. أو أن بعض المأمومين ينتظرون حتى يخرج هذا من نافلته ثم تسدد الفرج ويستقيم الصف، وهنا تكون قد فاتتهم تكبيرة الإحرام مع الإمام، وفواتها مع الإمام تعتبر عند البعض خسارة كبيرة. بل كان بعض الصحابة يواسون من فاتته تكبيرة الإحرام مع الإمام فيكون كل هذا بسبب تشبث بعض الناس وحرصهم على أداء النافلة كاملة من غير نقصان في الصف الأول وإن فاته ما فاته من المكتوبة. فلا شك أن هذا قد خسر في صلاته أكثر مما كسب، لأن ما فات غيره بسببه يؤخذ منه. ذلك أن تسوية الصفوف وسد الفرج فيها قبل تكبيرة الإحرام هو من تمام الصلاة كما جاء عن رسول الله: «سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة». أضف إلى ذلك أن الله لا يقبل عمل ابن آدم أيا كان إلا إذا توفر فيه شرطان، أن يكون هذا العمل خالصا لوجه الله والثاني أن يكون وفقا لما شرع. والأصل في هذا قوله تعالى: «فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا». وهذا الذي يحرص على الصف الأول من غير اعتبار لآدابه ومتطلباته يفقد شيئا من الشرط الثاني وهو أن يكون العمل وفقا لما شرعه الله ورسوله. ولا يعسر على أحد من الناس أن يتلافى الوقوع في مثل هذا الخسران والتشويش على المصلين وضياع فضيلة تكبيرة الإحرام وانضباط الصفوف بأن يصليها في البيت وهو الأصل. وقد ذكر أهل العلم من البدائل التي يمكن أن يقع فيها المرء فيما لو دخل المسجد وشرع في صلاة نافلة كتحية المسجد أو ركعتي الفجر ثم أقيمت الصلاة المكتوبة، اختلف الفقهاء في هذه المسألة على نحو تسعة أقوال ذكرها الشوكاني في نيل الأوطار 2/84. ويمكن وتقسيمها إلى قسمين. الأول فيما لو دخل المسجد وقبل أن يشرع هو في النافلة أقيمت الصلاة المكتوبة. فالذي عليه أهل العلم يوجبون على المأموم الكف عن الاشتغال بأية صلاة أخرى غير هذه التي بين يديه لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلى المكتوبة». وقد نوه على ذلك المرداوي في الإنصاف (2/220) وابن قدامة في المغني (1/456) بقوله: «وإذا أقيمت الصلاة لم يشتغل عنها بنافلة سواء خشي فوات الركعة الأولى أو لم يخش، ولأن ما يفوته مع الإمام أفضل مما يأتي به في النافلة . وقد روت عائشة «أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج حين أقيمت الصلاة فرأى أناسا يصلون فقال: أصلاتان معا ؟». ولو اتبع المرء هدى الرسول في جعله هذه النوافل تؤدى في البيوت لما وقع في هذا الحرج. لأنه حتى لو قامت الصلاة المكتوبة في المسجد وهو في بيته جاز له أن يشرع في سنة الفجر حتى لو كان يسمع الإقامة، لأن النهي عن اشتغاله بصلاة أخرى غير المكتوبة مقيد بوجوده في المسجد حال قيام المكتوبة. فلو أدى ركعتي الفجر في بيته لسلم من كل هذه التعارضات حتى لو فاته شيء من الصلاة المكتوبة.. فالواجب على المأموم الكف عن الاشتغال بأية صلاة أخرى غير التي بين يديه وشذ عن هذه القاعدة الحنفية لما ورد في ركعتي الفجر من التأكيدات والفضل. روي عن ابن مسعود أنه دخل المسجد والإمام في صلاة الصبح فركع ركعتي الفجر كما ذكره ابن قدامة في المغني (1/456). ومع ذلك فإنهم قيدوا شروعه في هذه النافلة خاصة أي ركعتي الفجر مع اشتغال الجماعة بالمكتوبة. أولا: إن لم يخش فوات الركعة الثانية. والثاني: أن يركع هذه النافلة خارج المسجد. قال ابن الهمام في فتح القدير (1/474): «ومن انتهى إلى الإمام في صلاة الفجر وهو لم يصل ركعتي الفجر إن خشي أن تفوته ركعة ويدرك الأخرى يصلي ركعتي الفجر عند باب المسجد ثم يدخل. وإن خشي فوتهما دخل مع الإمام». وقال الكاساني نحوا من ذلك في البدائع (1/286). فإما أن يصليها في البيت وهو الأفضل، أو أنه يقضيها بعد الشروق. والقسم الثاني من هذه المسألة هو أن يكون المأموم قد شرع في صلاة النافلة سواء كانت ركعتي الفجر أو تحية المسجد ثم تقام المكتوبة. فإن الذي عليه عامة أهل العلم أنه يتمها خفيفة كما ذكره ابن قدامة في المغني (1/456) إن كان في أواخرها بحيث لا تفوته ركعة مع الجماعة. قال ابن قدامة في المغني: «فأما إن أقيمت الصلاة وهو في النافلة ولم يخش فوات الجماعة أي ركعة واحدة على الأقل أتمها ولم يقطعها ...» . ولكنه ينبغي في أدائه لهذه النافلة ألا يكون مخالطا للصفوف على أية حال فإن في هذا كراهة شديدة كما ذكره ابن الهمام في فتح القدير (1/474)، ولما يترتب على وقوفه في الصف واشتغاله بالنافلة من إرباك في الصف، وقد يتسبب في ضياع تكبيرة الإحرام مع الإمام لبعض المأمومين. وكل هذا يجعله يخسر في صلاته هذه أكثر مما يكسب. فاكس: 6975040 [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 148 مسافة ثم الرسالة
