في خطوة مفاجئة أعلنت شبكة «سي دبليو» التلفزيونية الأمريكية إلغاء عرض الموسم الثاني من المسلسل الكوميدي الشهير «غرباء في أمريكا»، والذي سبق أن أعلن عن إطلاقه مطلع شهر نوفمبر الماضي. وبررت الشبكة إلغاء العرض لأن المسلسل لم يحقق نسبة مشاهدة في موسمه الأول حسب قولها إضافة إلى تزايد الانتقادات الفنية التي طالته. تبريرات الشبكة تنافت مع ما صرح به قبل عام السيناريست «دايفد كادرين» أحد كاتبي المسلسل حينما قال: إن «غرباء في أمريكا» حقق إيرادات عالية ونسبة مشاهدة بلغت 40 مليون مشاهد في المتوسط أغلبهم من الشباب، ولاسيما أنه يعالج قضايا للفئات العمرية من 18 25، الأمر الذي يؤكد شكوك المراقبين من أن هناك ضغوطات خارجية على الشبكة تسببت في إلغاء المسلسل، خصوصا أنه أول مسلسل أمريكي يعرض صورة إيجابية وحقيقية عن المسلمين. أحداث المسلسل تدور أحداث مسلسل غرباء في أمريكا أو Aliens in America، حول شاب أمريكي يبلغ من العمر (16 عاما) يدعى (جوستن)، وهو شخص خجول منعزل عن المجتمع زرع في مخيلته أنه لن يصبح مهما في حياته، ونتيجة لهذا فأنه سيئ العلاقات الاجتماعية ويعيش حالة من النبذ والغربة داخل مدرسته ومجتمعه، وللخروج به من العزلة يقترح مرشده الطلابي أن تقوم عائلته باستقبال طالب من دولة أخرى ضمن برنامج «التبادل الطلابي بين الدول»، وتقتنع العائلة بالاقتراح وتضع في مخيلتها صورة لشاب رياضي قوي وذكي من دول أوروبا، وترى أن مثل هذه الصداقة الجديدة سوف تؤدي إلى منح المزيد من الجاذبية لابنها، وبعد انتهاء العائلة من إجراءات الاستقدام يتضح لها لاحقا أن الشخص القادم طالب باكستاني مسلم (16 عاما) يدعى (راجا)، فيصدم (جوستن) وتصدم عائلته وتساورهم الشكوك في أن يكونوا قد دعوا إرهابيا محتملا إلى بيتهم ويشرعون في إجراءات إبعاده، إلا أنه ومع مرور اليوم الأول يقتنع (جوستن) سريعا ب (راجا) من خلال شخصيته المرحة وصداقته وبوضعهم المشترك كغرباء، كما تجبر العائلة على إعادة النظر في فكرة إبعاد (راجا) لسلوكه المهذب والمثالي.. بعد أن يتجاوز (راجا) مرحلة تفهم العائلة.. تبدأ رحلته لتحكي كيف يتعرض لجهل وأفكار مسبقة من بعض الأمريكيين في المدرسة والشارع والمتجر، ويحاول أن يصحح معلوماتهم عن الإسلام، كل ذلك في قالب كوميدي ممتع وجميل. غريب في أمريكا تبدأ مرحلة تصادم عادات ومعتقدات (راجا) المسلم مع المجتمع الأمريكي، ولاسيما أن من حوله لديهم أفكار مسبقة عن المسلمين، هنا تكمن المعالجة الدرامية التي يسلكها المسلسل، وذلك من خلال دعوة المشاهد بشكل غير مباشر إلى تجاوز الأفكار المسبقة السلبية عن الأشخاص وتنمية علاقات صداقة قوية بناء على المشترك الإنساني حتى وإن اختلفت المجتمعات. ويعتبر المسلسل من المحاولات النادرة للاقتراب من الذهنية الأمريكية عن المسلمين والإسلام بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، والكشف بشكل كوميدي عن وجود أحكام وتصورات مسبقة تحتاج لإعادة نظر وتقييم، كما يبرز المسلسل بشكل قوي أنه وبغض النظر عن الفرق الثقافي الشاسع بين (جوستن) الأمريكي و(راجا) المسلم فإن صداقة متينة غير متوقعة تنعقد تساعدهما على اجتياز حقل الألغام الذي تمثله المدرسة الثانوية المعاصرة، ويصبح عاما دراسيا مفيدا (لراجا وجوستن) وأسرته والمجتمع السكاني المحيط بهم كله. ومع أن الغرض من إنتاج المسلسلين تجاري في النهاية، كون الشركات المنتجة ترغب في استغلال حالة الاحتقان في المجتمعات الغربية ضد المسلمين، وبالتالي تقديم ما يستفزهم ويضمن اهتمامهم، إلا أنه يتضمن عدة صور إيجابية أهمها محاولة «أنسنة» المسلمين وتقديمهم بإطار كوميدي محبب وممتع يثبت أن هؤلاء بشر يحبون ويكرهون ويتضايقون مما يتضايق منه بقية البشر. الصورة لغة التغيير تأتي أهمية المسلسل أنه استطاع استخدام لغة الصورة في تفكيك نظرة التوجس نحو المسلمين، وهي نفس اللغة التي صنعت هذه الصورة، فمهما أصدر المسلمون من كتب إيجابية فإنها لن تصمد أمام صورة سلبية واحدة، ومن هنا تأتي أهمية المحاولات السينمائية التي توجهت للغرب باللغة التي يفهمها باغية رسم صورة متوازنة عن المسلمين، ففي المسلسل كل شيء مترابط والكل يؤثر على الكل، سنجد أن أفكار الموت والقدر والسعادة والإيمان والندم وكلها مفردات إسلامية متداولة يتم عرضها بشكل كوميدي بعيد عن المباشرة وهو ما يترك أثرا في المشاهد، إضافة إلى تسليط الضوء على ما يحبه الشباب والمراهقون، فهناك المقالب والمغامرات والفتيات، وهناك الاحتواء الإيجابي للشباب.. المسلسل يبدو وكأنه يبتسم بمكر، وصعب جدا أن نصف هذا العمل بأنه مجرد سلسلة مغامرات كوميدية لشابين على الرغم من حدوث هذا بالفعل. إنه خليط متجانس ذكي استطاع صناعه أن يقولوا الكثير والكثير، مما يستلفت الانتباه والتركيز. وفي المحصلة رغم أن المسلسل استطاع أن يقوم بمناقشة معضلات صعبة وقضايا ثقافية شائكة بأسلوب كوميدي يبتعد عن النمطية والسطحية، لكنه ومع كل ذلك فالمسلسل مليء بالأسئلة التي تتطلب منا أن ننتبه ونحن نشاهده، فهو عمل ممتع بالتأكيد كما رغب القائمون عليه وبسبب هذه المتعة قد نتجاهل أو نتغاضى التفكير في الكثير من الأشياء، وهو ما لا يجوز فعله بطبيعة الحال.