مطار الملك خالد في الرياض يؤكد عودة العمليات التشغيلية بالكامل    شتوية جدة    الجودة الحديثة من الامتثال إلى الابتكار    زيلينسكي يطالب أميركا بتكثيف ضغوطها على روسيا لإنهاء النزاع في أوكرانيا    «أطباء بلا حدود»: أطفال غزة يموتون من البرد القارس ويجب تكثيف الإغاثة    سوريا بعد قيصر 10 فرص و10 تحديات    الولايات المتحدة توجه «ضربة انتقامية» ضد «داعش»    هالاند يقود مانشستر سيتي لعبور ويستهام    «كاف» يقرر إقامة كأس أمم أفريقيا كل أربع سنوات    برئاسة"بن جلوي".. عمومية الاتحاد الدولي للهجن تعتمد استراتيجية "العالمية 2036"    «أمن الطرق» : القبض على باكستاني في مكة لترويجه (118) كجم "قات"    الخط العربي جمال وحضارة    ندوة عن الأفكار الإبداعية في السينما ب«كتاب جدة»    "المقشوش".. أكلة تتوارثها الأجيال في حائل    التاريخ الإسلامي وصمة وإنصاف    عصير الشمندر مفتاح اللياقة البدنية    الشيخوخة ليست سببا للوفاة    مكملات غذائية لآلام البطن والانتفاخ    تيك توك النفوذ الرقمي وهندسة صفقة القرن    حين ينجح الجميع.. من يتعلم حقا    هيئة الأدب والنشر والترجمة تُدشّن ديوان الألمعي "أنتم ووحدي"    إنطلاق التصفيات الأولية لمسابقة الملك سلمان لحفظ القرآن الكريم في جازان    الأول من رجب.. ميلاد الكثير من السعوديين    السعودية تعزز العطاء ومد يد العون وتحتفل باليوم العالمي للتضامن الإنساني    "العصيمي" بطلاً لكأس اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية للقدرة والتحمل    ضبط 1417 مخالفًا لممارستهم «الكدادة» دون ترخيص    هيرنانديز: مشروع الهلال أقنعني والبطولات هدفي    رئيس بلدية الدرب يقف ميدانيًا على عدد من المشاريع التنموية ويتابع نسب الإنجاز    جمعية التوعية بأضرار المخدرات بجازان تنفذ برنامجًا توعويًا بمنتزه الزاوية الخضراء في بيش    إنطلاق المرحلة الثالثة من فعاليات مبادرة «خُطى مستدامة – نحو سياحة بيئية مسؤولة» في حائل    صور تاريخية للملك عبدالعزيز خلال زيارته البصرة عام 1916    المطيري تستعرض حضور المرأة في الشعر العرب    الداخلية تضبط 17,880 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    بيوت الشعر .. رونق الشتاء    بولونيا يعبر إلى نهائي السوبر الإيطالي ويضرب موعداً مع نابولي    تفاصيل ايقاف القيد عن النصر لضم صفقات شتوية    نيشيش: معاملة السعوديين مختلفة.. وجودار: الخروج لا يعد نهاية المشوار    طقس بارد إلى شديد البرودة على شمال ووسط المملكة    مطار أبها الدولي يستقبل أولى الرحلات القادمة من عُمان    جمعية الإعاقة السمعية في جازان تشارك في مبادرة «في الإعاقة طاقة وتميز» بمحافظة بيش    ابتدائية منشبة بالدرب تحتفي باليوم العالمي للغة العربية    مُحافظ الطائف يستقبل وفدًا من أعضاء مجلس الشورى    الحذيفي: التقوى وحسن الخلق ميزان الكرامة عند الله    المعيقلي: ولاية الله أساس الطمأنينة والإيمان    قطرات للأنف لعلاج سرطان المخ    انتشار فيروس جدري القرود عالميًا    تخريج 335 كفاءة وطنية ضمن برامج التدريب بمدينة الملك سعود الطبية    "القوات الخاصة للأمن والحماية" نموذجٌ متكامل لحفظ الأمن وحماية مكتسبات التنمية    أمير منطقة جازان يستقبل القنصل الهندي    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تعيد توطين طائر الجمل بعد غياب 100 عام    أمير تبوك يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    أمير القصيم يواسي خالد بن صالح الدباسي في وفاة زوجته وابنتيه    نعمة الذرية    سمو ولي العهد يعزّي ولي عهد دولة الكويت في وفاة الشيخ جابر مبارك صباح الناصر الصباح    تصاعد الاستيطان الإسرائيلي يثير إدانات دولية.. واشنطن تؤكد رفض ضم الضفة الغربية    ضبط أحزمة ناسفة وصواريخ.. تفكيك خلية تابعة ل«داعش» في إدلب    أمير تبوك يطلع على نسب الإنجاز في المشروعات التي تنفذها أمانة المنطقة    الهيئة العامة للنقل وجمعية الذوق العام تطلقان مبادرة "مشوارك صح"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جارتي !
نشر في عكاظ يوم 12 - 08 - 2020

وجارتي هذه ليست التي كانت تنوح في قصيدة أبي فراس، والتي جاءت في قصيدة عميقة الإحساس، من الشاعر الصابر، الذي يضحك رغم أسره ومأساته، بينما جارته الحمامة الطليقة تبكي وتنوح وتندب، وهو الأولى بهذا الدمع على رأيه. جارتي هذه اسمها «كاثرين» أصبحت جارة لي، أو أنا أصبحت جارا لها، حيث كانت هي وأخوها يقيمان بهذه الشقة قبلي، جرني الزمان في أزمنة من أزمنته الأبدية أن أعمل ولعام كامل في مستشفى بروكلين في نيويورك، مستشفى أسس في عام 1845م، مستشفى قديم وكل ما حوله يشاركه في هذه الصفة، وجدت شقة عن طريق طبيب أمريكي من أصول عربية، لا تبعد كثيرا عن المستشفى، الشقة في مبنى قديم في حي من أحياء بروكلين، المبنى عبارة عن 8 شقق، يعلوه قرميد أحمر، وتعلوه سماء بالغة الثلج والمطر ونجوم مرتعشة تكاد أحيانا لا تبين، تحرس أطرافه أشجار السنديان، كانت هذه الجارة متقدمة في السن، ناحلة، هادئة، دائماً ترتدي ملابس داكنة، كانت تقيم مع أخيها المسن أيضاً، لا علاقه بينهما البتة، أحدهما نقيض الآخر، رغم أنهما يبدوان وكأنهما من طبيعة واحدة، ربما هو زمنهما البعيد الذي يجمع بينهما، شتاء نيويورك لا يشبهه شتاء على الإطلاق، الجليد يمزق الأحشاء، والمطر اللعوب فوق رؤوس ناطحات السحاب لا يهدأ ولا يكف، يجري في الطرقات بلا خرير، هو الأكثر قسوة بين شتاءات أمريكا، أجواء مأساوية، لا شيء في الليل يسمع في الخارج إلا صوت الريح المثلجة المنذرة بالمطر والجليد، أحيانا يتحد نهر «هدسون» الذي يبلغ طوله حوالى 500 كيلو متر أو أكثر، والضباب في ظلمة داهمة، كنت كالطفل في الشتاء الذي يحاول أهله إخراجه ويأبى مغادرة البيت، ويتحصن بقبضة الباب، كنت حالما أخرج للعمل أو شراء بعض الحاجات، كنت أتلثم بشال من صوف، فعنقي وفمي هما أضعف مناطق مناعتي، كانت «كاثرين» العجوز تتجنبني عندما نتقابل صدفة في المصعد أو في الطريق، لمحتني مرة، فقفزت إلى الرصيف الثاني، اقتربت منها عند محطة الباص فتراجعت خطوتين، ألقيت عليها تحية الصباح، فولت وجهها عني إلى الناحية الأخرى في صمت بليغ العبارة، تهت وأنا أبحث عن حقيقة تلك العجوز، كنت أدعو بلغة بلا صوت على من قادني لاستئجار هذه الشقة، وألقى بي في هذه المحرقة الباردة، وهذا القبر العنصري العميق، الذي أنزلني إليه، قلت لنفسي لعل جوهرها العنصري حاجز بيننا، وأنها قد تكره الأجانب، لكنها فاجأتني يوما عند مدخل دكان لبيع الفواكه بسؤالها من بعيد، لماذا تتلثم يا دكتور؟ كان هذا السؤال جواز السفر لعالم التحدث بيننا، أزحت الشال عن فمي لتسمع برد... برد يا سيدة «كاثرين» إنني من الشوك الصحراوي نبت، ومن الرمال أتيت، أنا وليد النهار المشمس، ورضيع الشمس الحارقة، الشمس في بلادي تقترب من الجبهة، وكل العام ما عدا أشهر قليلة لهب حار مطوي طي السعير، الشمس مأوى كل الفصول، والليل سقف، والريح الحر حر، لا ثلج لدينا ولا طرقات بيضاء، دنت مني وهي تسبح في هواء من الضحك، قالت.. أوه.. يا إلهي، أنت إذن بخير!! لست مصابا بالرشح، كنت أخشى أن تصيبني بالرشح كما فعل في الشتاء الماضي أحد معارفي عندما جلس في حجرة القطار معي، وانتهى الأمر بي أن أمكث في الرعاية المركزة بعضا من الزمن، وأخذت تحدثني بحماس عن أسباب الرشح، وإجراءاتها الوقائية والفعالة ضده، مبدية في الوقت نفسه استياءها عن عجز العلماء على التغلب عليه، بينما يعبثون كالأطفال في الفضاء، يكتشفون الكواكب والأجرام والمجرات!! أدهشني تساؤلها رغم أنني لم أستغرب إطلاقا أن تنتمي امرأة من نيويورك إلى فريق الهواجس والمخاوف، في مدينة الهواجس والمخاوف والقلق البشري الذي لا ينضب، حالة تختصر كل الواقع النيويوركي، الذي عرفته عن طريق المعايشة المباشرة، هكذا عرفت نيويورك قبل كورونا، مدينة الصخب والعنف، والجاز، والناس الذين يسرعون في الأكل والكلام والحركة، ولا يجدون وقتاً للهدوء والتفكير، إنها مدينة مهوسة بالضجة، وهي كل يوم تفكر في تقاليع تغزو بها العالم، مدينة ناطحات السحاب والأضواء، التي تلغي الفرق بين الليل والنهار، وهي بلد الإعلانات الكثيفة، كل شيء خاضع فيها للإعلان، حتى دور العبادة، كنت أقرأ في بعض الشوارع عن إحدى الكنائس المجاورة لشقتي، يقول «يرافق الصلاة موسيقى رائعة ووسائل الراحة متوفرة»، غير أن ذلك الصخب والضجيج كان يخفي حزنا عميقا، وقلقا يأكل قلوب النيويوركيين، يصور كل ذلك الممثل «جيمس بايرون دين»، والذي اهتم كثيرا بالمعاني الإنسانية، واختار السيارة ليتخلص من قلقه، فخلصته من كامل الحياة، وأصبح رمزا للحزن والضياع والاحتجاج، على عالم يهتم بالاقتصاد والآلة أكثر مما يهتم بالإنسان، عالم يصبح الكائن الإنساني فيه قزما بالقياس إلى ناطحات السحاب والمدن الواسعة المزدحمة، يظل سؤال جارتي النيويوركية دون جواب وهو: كيف يعجز العلماء عن التغلب على فايروس مثل الانفلونزا، في زماننا «الكورونا»، بينما يعبثون كالأطفال.. في الفضاء!!
كاتب سعودي
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.