لا يخلو مجتمع من المشاهير، خصوصاً في المجتمعات المتفاعلة مع متطلبات المدنية وتعقيداتها المادية. إذ تأتي الشهرة في معظم الأحيان كمرادف للثروة. وتكاد تتطابق شروطها في كل مكان وتتباين من حيث الأهمية، فالمشهور هو من يقترن اسمه بمنجز لافت يستحق بموجبه التأثير السحري على الجمهور، وإغراء وسائل الإعلام بمتابعته ورصد أخباره. ويبدو أن مجتمعنا يسير في هذا الإتجاه بقوة. أي الأخذ بعوالم الشهرة والنجومية. إذ باتت بعض الوجوه الرياضية والفنية والدينية تتسابق في البروز والحضور سواء في الإعلانات التجارية أو في المناسبات الاجتماعية والتطوعية. بل ان هؤلاء صاروا على درجة من الخبرة في افتعال الحوادث حولهم وتكثير اللغط إزاء شخصياتهم ليظلوا في الواجهة على الدوام. وهذا هو أردأ أنواع الشهرة التي لا تتأتى من إنجاز علمي أو مهني أو فني، بقدر ما تتولد من الضجيج والشائعات وحمل الذات على مركب رجراج من الأكاذيب. ولا شك أن الإعلام هو الرافعة الأولى لكل من يريد الشهرة، وهو الأمر الذي جعل تلك الفئة تتعامل مع الوسائل الإعلامية بطريقة ماكرة تراوح ما بين الاستجداء والتزلف. فمن يريد احتلال المشهد من المشاهير لابد أن يدفع ثمن هذه الرغبة مادياً ومعنوياً. وبالتالي لابد أن يخضع للصورة التي يريد الإعلام حبسه فيها. أي أن يقبل تقاسم كعكة الشهرة والمحاصصة الجماهيرية كما تقتضي شروط اللعبة. وهو الأمر الذي يفسر تكاثر الصور التي تجمع داعية بلاعب كرة قدم، أو بمطرب. فالجميع هنا ينسى أو يتناسى معاييره الحياتية لكي لا يخرج من دائرة الضوء. هؤلاء صاروا على درجة من الخبرة في افتعال الحوادث حولهم وتكثير اللغط إزاء شخصياتهم ليظلوا في الواجهة على الدوام. المشاهير في مجتمعنا قساة على جماهيرهم. يترفعون على مريديهم. لدرجة أن بعضهم يعطي لنفسه الحق في ازدراء الناس والتهجم عليهم من مرقى الشهرة التي تعادل السلطة بتصوره. ولكنهم - أي المشاهير - رحماء فيما بينهم. يتبادلون المجاملات والإشادات الزائفية بمنجزات متهافتة. فيما يتم تغييب ذوي الإنجازات المهنية والفنية والعلمية الحقيقية. وهو الأمر الذي أدى إلى تشكيل شريحة عريضة من المشاهير، القادرين على فرض مرئياتهم الحياتية على الناس، على اعتبار أن الشهرة تساوي القدوة. هكذا صار للمشاهير في مجتمعنا سطوتهم وقد أخذوا بكل أسباب الشهرة العالمية وآلياتها في التأثير على الجماهير وجمع المال وتحقيق المكانة الاجتماعية. ولكن، بدون أي جهد حقيقي يتناسب مع المردود الذي يحظون به، فهم لا يشاركون في الأعمال التطوعية كفاعلين بل كزينة ديكوراتية استعراضية. ولا يهمهم أن يكونوا جزءاً من أي عملية تنموية أو توعوية بقدر ما يهمهم الدور التشريفي المنوط بهم وحجم صورهم التي ستملأ الشاشات واللافتات. لم تتأسس الشهرة بمعناها ومظاهرها التي بتنا نراها في مجتمعنا اليوم على منظومة من قيم الخير، بل تولدت في واقع مرتبك وعلى يد فئة انتهازية تنهب ولا تعطي. وذلك بمساندة متواطئة على تجهيل الإنسان. بالإضافة إلى مفاعيل يهمها وجود مثل هذه الفئة التي تبيع الأوهام. بدون أن يكون في سجلها أي رصيد يذكر. إن نظرة سريعة على ما تحمله لافتات الشوارع العملاقة وإعلانات الصحف والتلفزيون تفصح عن أسماء بعينها منذ عقد تقريباً، وهو أمر يعني فيما يعنيه أن هؤلاء لم يحتلوا هذا الحيز طوال هذه الفترة إلا لأنهم قدموا تنازلات كبيرة ليس على مستوى أفكارهم وحسب، بل حتى على مستوى الشكل الذي يُراد لهم أن يظهروا به لمواجهة الجمهور. كل ذلك يعني أنهم داخل لعبة الشهرة وشروطها. وكلما قل رصيدهم العملي حقنهم الإعلام بحقنة ضوء. فهم يعملون بأجر مدفوع، ويبنون ثرواتهم من خلال ذلك الجهد الاستعراضي، وليس من خلال ما يفترض أن يقوموا به في حقول تخصصاتهم. [email protected]