سيبقى القرار الدولي 2259 من العلامات البارزة في مسيرة القرارات الاممية الصادرة في الشأن الليبي، وتعود اهمية هذا القرار الذي اعتمده مجلس الأمن الدولي الى انه يدعم بصورة مباشرة الاتفاق السياسي على الوفاق بين الليبيين الذي يولد حكومة واحدة، ومصرفا ماليا واحدا، ومجلس دولة سياسيا وتنظيميا واحدا، وفي ذات الوقت يحصر هذه المنتجات في دائرة الشرعية الوحيدة، في ليبيا. قراءات الواقع، وتطلعات المراقبين الى ليبيا والشأن الليبي بعد هذا القرار من الطبيعي ان تكون متباينة في بعض المناحي، والنظرات الخاصة، هنا او هناك. ومن الطبيعي ايضا ان يكون هناك من يقف مع كل هذا التوافق الوطني الليبي والاهتمام الدولي بليبيا وازماتها والصراعات على ترابها، ومن الطبيعي ان نجد من يعارض كل هذه التوافقات والتفاهمات ودرجات الاهتمام المتباينة بين الداخل والخارج. وانا هنا استأذن القراء الكرام قبل أن أستعرض كل تلك المواقف أن نمر سوياً على مجموعة من الحقائق التي ما تزال تجد لها مكاناً في واقع المدن والمناطق الليبية وتحت سمع وبصر الجميع واترك للمهتمين تقدير خطورتها واستمرارها. في المنطقة الشرقية وفي مدينة بنغازي ما تزال جولات الصراع المسلح دائرة بين قوات الجيش الليبي، المدعومة بوحدات المساندة من شباب المناطق والأحياء من سكان المدينة، وبين ما يعرف بقوات مجلس شورى ثوار بنغازي. هذا التنظيم الذي تذكر مصادر امنية متعددة ان له علاقات وثيقة تصل الى حد التحالف مع تنظيمي "انصار الشريعة" و "داعش" بنغازي التي لم يلفت نظري في سلوك اهلها شيء اكثر من عشقهم الطاغي لها، لاحيائها وبحرها وهوائها غدت مدينة مهجورة وخرائب ينكرها كل من مر بها يوماً. وفي درنة المدينة التي يحاول الغرباء اختطافها، وتمويه هويتها الثقافية والجغرافية والبشرية تخوض حربا لا تعرف اللين والهوادة ضد ما يعرف بتنظيم داعش. هذه الحقائق المقلقة على الارض يثار معها احاديث كثيرة عن خطط للقوى الاقليمية والدولية لمحاصرة نتائج ذلك الواقع الداخلي الليبي، وربما الكل سمع عن قوات امريكية وألمانية وغيرها يقال تارة انها قدمت الى الارض الليبية والى السماء الليبية والى المياه الاقليمية الليبية للعون والمساعدة والتدريب ولكن الى الان ليس هناك شيء قابل للقراءة وبشكل واضح. الكل يتصرف وكانه يطلب من الليبيين سياسيين وعسكريين وقادة رأي وأناسا عاديين التفاعل وحسن الفهم مع مايحدث!! ولعل حادثة اخضاع ناقلة ليبية قبل ايام "انوار ليبيا" على مقربة من المياه الاقليمية الليبية من قبل قوات البحرية الايطالية للتفتيش واحدة من الاشارات الواضحة على ما يُقال. وهو ربما يعكس الاحاديث التي برزت الى السطح خلال الفترة الماضية والتي اشارت الى عزم الاتحاد الاوروبي تكوين خطة اوروبية يطلق عليها خطة مكافحة الهجرة غير القانونية التي غالبا ما تكون بدايات تلك الهجرة من السواحل الليبية، هذه خطة ربما تكون واحدة من حزم من الخطط التي لا تُعرف ما هي اهدافها! اعود بالسادة القراء الى مشهد اكثر قلقاً وبشاعة وأعتذر لهم عن ذلك، المشهد كما نقلته سلطات الهلال الاحمر في مدينة سبها الليبية، يتمحور حول العثور على جثة مجهولة الهوية ومطموسة المعالم في مكب للنفايات!! وزِيدَ على ما سبق ان الجثة تعرضت لنهش من حيوانات مفترسة!! مركز المدينة الطبي الذي حفظ الجثة، ذكر ان هذه ليست المرة الاولى، وانه خلال هذا العام سبق العثور على عدد من الجثث البشرية بنفس المواصفات. على خلفية جملة الملاحظات السابقة اعود لحالة الانقسام التي مازالت مسيطرة على الذهنية الليبية حيث ان هناك من السياسيين وغيرهم من رأى ان القرار ومخرجاته، وفرضه على الواقع الليبي ليس بذلك الامر المثالي، ولكنه افضل صيغ الخروج الى حالة ممكنة من التفاهم والتوافق والعودة بالناس للحياة وشيء من الامل والمستقبل. بينما هناك من رأي ان القرار ومخرجاته في حال تطبيقها، صيغة جديدة من الوصاية الدولية على ليبيا والشعب الليبي. بين هذا الرأي وذاك وعلى خلفية الالم وفقدان الامن واستمرار الصراع، يبقى الباب مفتوحا للرأي الذي يميل للحياة، وهذه ربما من المبشرات. إن بقي ما يقال بعد هذا العرض العام فلا يزيد عن التذكير للجميع بان الدولة في اي بقعة من هذا الكون هي هوية، وان السلطة كذلك هوية، وان النظام الذي هو عِماد معاش الناس هو الاخر هوية. وبدون هذه الهويات المتعددة الاوجه يبقى الناس في ضياع خالص.