قال صديق ليبي إن الانتخابات البرلمانية التي جرت في البلاد الليبية يوم 25 يونيو 2014م كانت بمثابة القشة التي ألقيت لإنقاذ كثير من الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد. كان ذلك خلال حوار إلكتروني بيننا تزامن مع المراحل التحضيرية لتلك الانتخابات، وعلى الرغم من أن ليبيا استطاعت تجاوز هذا الاختبار الصعب، إلا انه تميز بأمرين اثنين، الأول أن هذه الانتخابات شهدت تدنيا ملحوظا في نسبة الإقبال على التصويت حيث لم تتجاوز 41٪ الأمر الأهم من ذلك أنها تزامنت مع مجموعة من الأحداث الدموية وحوادث العنف والاغتيال والقتل في أكثر من مدينة ليبية. وذكرني تصريح انتشر في وسائل إعلام للجنة العليا للانتخابات تفيد فيه أن ما تم وعلى الرغم مما صاحبه من عقبات يعد أمراً مقبولاً، بالنظر إلى العوائق الأمنية والاحتقانات السياسية التي تلون المناخ العام. كل ذلك اعاد للذاكرة وصف الصديق الليبي، واتضح أن هذه الانتخابات ربما كانت كما وصفها الرجل. فدول الجوار الليبي، والدول الصديقة لليبيا في المجتمع الدول وبالأخص الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي أبدوا الترحيب بمجرد إتمام العملية الانتخابية، ولم تخل إشارات بعض الأطراف الدولية من التركيز على أسس مهمة يفترض أن تترتب على عملية الانتخابات، ابسطها أن يعود العدل والقانون للشارع الليبي، وان تستعيد الدولة الليبية هيبتها عبر بناء مؤسساتها الضرورية، وعبر التأسيس لمجتمع آمن ومستقر. هذه الإشارات استفزت بعض السياسيين الليبيين الذين ألمحوا بدورهم الى أن ما يسمى بالدول الصديقة لليبيا ويقصدون بالتحديد دول الناتو ربما كانت مشغولة بقضايا دولية أكثر أهمية من ليبيا وما يجري فيها، وانها أي هذه الدول لن تلتفت بجدية إلى إنقاذ الأوضاع في البلاد الليبية إلا بعد فوات الأوان. هذا السجال مستمر منذ أن صارحت بعض التيارات السياسية في ليبيا الحلفاء الغربيين بأنهم لا يُبدون ما يلزم من الجدية مع تطورات الأوضاع في ليبيا، ورأى البعض أن هذا الاهتمام الدولي قد يكون الباب الذي يعود منه أصدقاء الأمس لمساعدة ليبيا إذا أحسنوا الإمساك بالقشة هذه المرة. على مسار الداخل الليبي وفرت هذه الانتخابات توافقا غير مسبوق بين قوات الجيش الليبي، الذي يخوض صراعا يوميا في بنغازي مع الجماعات المسلحة، وبين من يعارض ذلك الجيش وقيادته، علما بأن المعارضة لقوات الجيش الليبي أصبحت درجات لدى السياسيين الليبيين وبعض التجمعات المناطقية والقبلية، فهناك من يعارض بشكل كامل، وغيره يعارض نصف معارضة وثالث يعارض بشكل جزئي! أحد الأمور التي كانت تشكل خلفية للصراع بين الليبيين مناطقيا ما يعرف في ليبيا بعقدة الشرق وبنغازي، وسيطرة الغرب وطرابلس، وجدت لها مع إتمام عملية الانتخابات التشريعية الأخيرة مخرجا توفيقياً، قد يساهم في حل جزء من المشكلة الأزلية بين بنغازيوطرابلس، حيث أعلن أن البرلمان الجديد سيكون مقره الدائم مدينة بنغازي بدلاً من العاصمة طرابلس، وقيل إن سبب هذا الإجراء محاولة السعي إلى إدماج المنطقة الشرقية ومدينة بنغازي بشكل خاص في الحراك التنموي والسياسي المأمول ولتعويضهما عن سنوات التهميش الذي عانى منه أهالي المنطقة الشرقية فترة الحكم السابق، ولم يتمكنوا من تغيير ذلك الواقع بعد ثورة السابع عشر من فبراير 2011م. المؤتمر الوطني الليبي العام وهذا اسمه الرسمي يبدو أنه أصبح سيئ الطالع لدى الليبيين وربما للتخفيف من مرارة تجربة هذا الكيان الذي لم ينجح في تمكين الليبيين من قطف ثمار الثورة. سيباشر عمله مطلع شهر أغسطس القادم تحت مسمى جديد هو «مجلس النواب» من الحقائق الملاحظة على تطورات الوضع في الآونة الأخيرة في ليبيا، أن عملية الانتخابات البرلمانية الثانية في تاريخ البلاد الليبية بعد انتخابات 2012م التي تمخض عنها المؤتمر الوطني الليبي العام، جاءت في ظل أوضاع صعبة وغير مألوفة مما يولد انطباعاً بأنها كانت الاتجاه الإجباري والوحيد لجميع الفرقاء في الداخل، وأنها حُددت ونفذت بمباركة الأصدقاء والحلفاء في الخارج، ليستثمرها كل طرف بما يحقق له الكم الأكبر من أهدافه. ومع ذلك يبقى سؤال قد يؤرق المراقب والباحث وهو ببساطة: ماذا سيحل بالبلاد الليبية إذا لم يتجاوز البرلمان القادم ومعه الحكومة التي ستتمخض عنه دوامة انتشار السلاح وانفلات الأمن ونمو المجموعات المقاتلة العابرة للحدود؟.