تدخل ليبيا غدا حقبة تاريخية فارقة لترسيخ هيبة الدولة. بانطلاق انتخابات الجمعية التأسيسية، حيث تحبس شوارع وميادين العاصمة طرابلس ومدن أخرى أنفاسها استعدادا لتأمين أول انتخابات برلمانية تجري في البلاد منذ عدة عقود. وينتظر الليبيون بكل أطيافهم أن تعبر بلادهم مرحلة صعبة من عدم الاستقرار الأمني، الأمر الذي يفرض إجراء مصالحة حقيقية بين مكونات المجتمع، تتجاوز حالة المنتصر والمهزوم، وقبل ذلك معالجة حال الميليشيات المسلحة بشكل حاسم، وبناء نظام سياسي يدعم تنفيذ المرحلة الانتقالية باستحقاقاتها المختلفة، وهو امتحان صعب يتوقف عليه مستقبل ليبيا. فهل يستجيب الليبيون للتحدي؟ وتجاوز مرحلة الميلاد، والتحرك باتجاه بناء مؤسسات الدولة المدنية الذي يستلزم وضع دستور ينظم العلاقات، ويحفظ الحقوق، وكل حراك واع في هذا الاتجاه يقود نحو الوحدة، وكل حراك معرقل لهذا المسار يدفع بالمجتمع الليبي نحو الانهيار. ولإنجاح هذه الانتخابات، يتحتم على الليبيين بشكل واضح تغييب معادلة الشرق والغرب، وما تحمله من تنوع سياسي، مناطقي وقبلي، لتبديد المخاوف حيال مقدرة المجلس الانتقالي على ضمان أمن الانتخابات، في بلاد تنتشر فيها الأسلحة والميليشيات، حيث ظهر ذلك جليا في تواضع الحملات الانتخابية في طرابلس، وتعالي الأصوات في بنغازي إلى مقاطعتها، والمطالبة بحكم فيدرالي. كما تم أوائل العام بإعلان برقة إقليما فيدراليا ، وهذا ما يمثل أكبر التحديات التي تواجهها ليبيا، إلى جانب تحول مجموعات الثوار المسلحة إلى ميليشيات مناطقية، غير خاضعة للسيطرة، وبالاخص في الزنتان ومصراتة. لذلك تأتي أهمية نجاح هذه الانتخابات كخطوة ضرورية للتحضير للمستقبل، لكنها ليست العصا السحرية التي ستغير الواقع الليبي اقتصاديا واجتماعيا.