في عالم سريع التغير، لم يعد النجاح المؤسسي مرهونًا بالخطط وحدها، بل بمن يصنع تلك الخطط، وبمدى تنوع خلفياتهم وتجاربهم الثقافية. فالتنوع داخل المؤسسات لم يعد ترفًا تنظيميًا، بل ضرورة إستراتيجية تُثري الحوار وتُوسّع آفاق التفكير، وتُنتج قرارات أكثر واقعية وتوازنًا. حين تتعدد الرؤى داخل المجالس التنفيذية أو فرق العمل، تنكسر أنماط التفكير النمطي، ويُفتح المجال لأفكار وحلول غير تقليدية. أما في حال غياب التنوع، وكون الفريق من خلفية واحدة، فإن الأفكار تتكرر، والرؤية تضيق، وتتراجع القدرة على الابتكار، ويغيب التمثيل الحقيقي لتنوع المجتمع. تشير الأدبيات الحديثة إلى أهمية هذا التنوع: فقد أظهر تقرير «التنوع والإنصاف والإدماج في التعليم» الصادر عن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD 2024) أن المؤسسات ذات التكوينات المتنوعة تحقق أداءً أعلى في القيادة واتخاذ القرار، وتبني بيئات أكثر عدالة وشمولًا. كما أظهرت دراسة Cox & Blake (1991) أن التنوع يعزز التفكير الإبداعي، فيما أثبتت Herring (2009) أن التنوع الثقافي يرتبط إيجابيًا بالأداء المالي وجذب الكفاءات. في السياق المحلي، تزخر المملكة العربية السعودية بثقافة متعددة الجذور، تُشكل إرثًا وطنيًا غنيًا، يجب استثماره داخل المؤسسات، لا الاكتفاء بالاحتفاء به خارجيًا. فتمثيل المناطق والثقافات في المجالس الإدارية لا يُضفي بعدًا وطنيًا فحسب، بل يُثري القرار بتجارب وأفكار أصيلة. ختامًا، فإن التنوع الثقافي ليس مجرد تمثيل رمزي، بل هو خيار إستراتيجي يخلق بيئة حيوية تتكامل فيها الأفكار وتتعدد فيها الحلول. وهو ما يجعل التنوع، لا التماثل، هو البوصلة الحقيقية للمؤسسات الناجحة.