دأبت الواجهات السياسية الليبية منذ سقوط نظام القذافي على إستراتيجية المهادنة واللين مع المجموعات المسلحة، ولم يكن مسموحا للسياسيين ولا للقنوات الإعلامية وصف القوى المسلحة بالمليشيات حتى وإن اقترفت تلك القوى أعمالا خارجة عن القانون والنظام، وأكثر من ذلك كان الكل من حاملي السلاح يصر على التمتع بلقب ثائر، بما يحمل ذلك اللقب من معاني الاحترام والتبجيل. وخلال الأعوام الثلاثة الماضية من عمر ثورة السابع عشر من فبراير تضاعف عدد الثوار وبالتالي تضاعف عدد المجموعات المسلحة التابعة للتنظيمات السياسية والقبلية والمناطقية وحتى لبعض المتنفذين. ومع ذلك بقيت هناك مسافة دقيقة فاصلة بين تصعيد الصراع بين أهل السياسة وأهل السلاح بحجج كثيرة أبرزها عدم فتح الباب للاقتتال بين الليبيين. مجلس النواب حديث العهد بممارسة مهامه ممثلا للشعب الليبي أعلن بلغة غير مسبوقة في الرابع والعشرين من أغسطس أن القوات التي تدير ما يعرف بعملية فجر ليبيا وجماعة أنصار الشريعة وجماعة مجلس شورى ثوار بنغازي، أعلن أن كل هذه المجموعات واجهات إرهابية خارجة عن القانون وأن من يمثلها ويناصرها يعتبر هدفا مشروعا للجيش الليبي، بعبارة أخرى اعتبر مجلس النواب أن هذه المجموعات التي تشكل احد أطراف النزاع على الأرض الليبية أنها مجموعات إرهابية وخارجة عن القانون وأن كل تحركاتها ضد كيان الدولة الليبية وضد القانون والسلم والنظام العام. هذا الإعلان الذي سمي في طرابلس بإعلان الحرب على الإرهاب يؤكد مفهوما جديدا على حلبة الصراع الدائر حاليا في ليبيا وهو أن البرلمان الجديد وضع ثقة الدولة وخياراتها المستقبلية في جانب عملية الكرامة التي يقودها اللواء خليفة حفتر، والذي لقيت قواته في الآونة الأخيرة بعض التراجعات في بنغازي ولكن يبدو أنها كانت تراجعات تكتيكية كما يبدو، المهم في هذه الخطوة التي تبنتها الهيئة السياسية «مجلس النواب» أنها ربما تعكس جانبا من القبول الإقليمي والدولي لعملية الكرامة في حد ذاتها والتي كانت راعية وبحرص ظاهر لبروز المجلس إلى ارض الواقع ومبارِكة لما حققه من قبول دولي عند مباشرته أعماله في منطقة طبرق في أقصى الشرق الليبي. نقطة مهمة يتمخض عنها هذا الإعلان وهي التأسيس للتعامل بطريقة أكثر موضوعية وعملية مع مفهوم «الثوار» الذي اقترب من حد المحرمات في الذهنية الليبية العامة وبالتالي استغل بطريقة غير واعية من قبل جهات يصعب حصرها. اخطر النتائج التي يمكن أن تتجسد على خلفية هذا الإعلان هي أن الجهة المقابلة للجيش والدولة الليبية عبارة عن سلسلة ممتدة من التكوينات السياسية والمناطقية والقبلية وجهات ذات نفع خاص ومصالح متعددة. وهذا يعني ببساطة أن جذوة الصراع والاحتراب الأهلي بين الليبيين ربما يمتد لفترات زمنية تفوق توقعات الكثيرين، يعزز هذه الرؤية طبيعة الثنائية التي تقود الصراع الحالي في ليبيا وقبل ذلك كانت تلك الثنائية تحافظ على نصيبها من المغانم والمنافع في ظل النظام السابق وما بعده. الجزء الذي يمكن تلمسه اليوم من هذه الثنائية هو منطقة في مقابل منطقة أخرى، أي الزنتان ومصراته، وقوى وطنية وليبرالية بالمفهوم العام في مواجهة قوى متطرفة ومؤدلجة أي الجيش الوطني في مواجهة تنظيم الإخوان وقوى وجماعات أخرى متحالفة معه وما يندرج تحت ذلك من مسميات قبلية وعشائرية، وفي الحقيقة أن رصد هذه المعطيات يحمل في طياته قدرا من التبسيط وذلك لأنه يغفل التحالفات وطبيعتها خاصة عندما تتعلق بصراع متعدد المداخل على ثروة هائلة تحتضنها الأرض الليبية. النصيحة التي يقدمها أصدقاء ليبيا لأطراف الصراع في ليبيا تتمحور حول فكرة مؤداها أنه مهما طال الأمد بالصراع بين الليبيين ستأتي لحظة يدرك الجميع أنهم خاسرون وان ليس بينهم منتصر حقيقي وأن ليس لهم إلا الحوار فقط. والحلول القائمة على التفاوض والابتعاد عن استخدام السلاح ومباشرة عملية سياسية بمساهمة كل الليبيين. وهذا في الحقيقة حديث العقل والمنطق الذي يقره الكثير من أهل ليبيا ولكنهم لا يغتنمون لحظة الرشد في الوقت المناسب ليتجنبوا ويلات الصراع. هناك من يرى انه لا يزال هناك بعض الوقت الذي يمكن إنقاذ ما تبقى للناس ولكن كل الخوف أن يمضي ذلك الوقت وتنزلق البلاد إلى الفوضى الكاملة.