دخل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على خط الأزمة الليبية معلناً عزمه تقديم خطة لتسوية سلمية تنهي سنوات من الانقسام والتوتر السياسي والأمني. وجاء هذا التصريح خلال لقائه مؤخراً مع رؤساء خمس دول أفريقية في البيت الأبيض، حيث أكد أن واشنطن تسعى لدفع جهود الاستقرار في كل من السودان وليبيا، ما أعاد الملف الليبي إلى واجهة التحرك الدولي مجدداً. وتأتي هذه التصريحات في ظل توقعات متزايدة بإعادة رسم المشهد الإقليمي، خاصة بعد وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، ومحاولات أمريكية لتثبيت مناطق نفوذ مستقرة في شمال أفريقيا. ويرى مراقبون أن الخطة الأمريكية المرتقبة لا تنفصل عن التوجه العام للإدارة الأميركية نحو استقطاب سياسي واسع في المنطقة، خاصة في ظل الرغبة في دعم مسار الاستقرار بما يخدم المصالح الاقتصادية والأمنية الأميركية. ويُعتقد أن هناك تنسيقاً يجري بين واشنطن وبعثة الأممالمتحدة في ليبيا لعرض خطة تسوية شاملة أمام مجلس الأمن في أغسطس المقبل، تتضمن تشكيل حكومة موحدة تتولى إدارة المرحلة الانتقالية، وتقود البلاد نحو انتخابات طال انتظارها. وتُشير التوقعات إلى أن الخطة الأمريكية ستتضمن عناصر ضغط واضحة على الأطراف الليبية، لحملها على الالتزام بخريطة الطريق الأممية وإنهاء حالة الانقسام المؤسسي والسياسي. ورغم أن البعض يرى أن واشنطن قد لا تتدخل بشكل مباشر، إلا أن هناك مؤشرات على رغبة الإدارة الأمريكية الحالية في دعم أحد الأطراف السياسية على حساب الآخر لضمان تسريع العملية، وتفادي أي عراقيل قد تعيق تنفيذ الخطة. ويشير محللون إلى أن واشنطن جربت في السابق تعديل موازين القوى داخلياً دون نجاح يذكر، لكنها هذه المرة قد تتجه إلى فرض وقائع جديدة على الأرض عبر التهدئة واحتواء أي فرص لاندلاع صراع مسلح. ويذهب تقدير بعض المراقبين إلى أن الخطة الأمريكية لن تكون حلاً نهائياً، بل تمهيداً لمرحلة مؤقتة تهدف إلى تجميد الوضع الراهن ومنع أي انفجار محتمل، خصوصاً في ظل هشاشة المشهد الأمني وتداخل المصالح الدولية والإقليمية، كما يُتوقع أن تركز واشنطن على منع تفكك مؤسسات الدولة، وتهيئة مناخ يسمح بإعادة توحيد الأجهزة السيادية، وتحديداً المؤسسة العسكرية والمالية، تحت سلطة مركزية واحدة. وتبقى التحديات أمام أي خطة دولية قائمة، خاصة في ظل انعدام الثقة بين الأطراف المحلية، واستمرار وجود جماعات مسلحة ومرتزقة، فضلاً عن الانقسامات العميقة بين القوى الإقليمية الداعمة لأطراف متنازعة. ورغم ذلك، فإن دخول الولاياتالمتحدة بثقلها السياسي قد يمنح دفعة جديدة لجهود التسوية، خصوصاً إذا ما اقترن بخارطة طريق واضحة والتزام دولي بضمان تنفيذها. ويبقى مستقبل المبادرة الأمريكية رهن مدى قدرتها على كسر الجمود، والتوفيق بين الأطراف، وفرض مسار سياسي يُنهي مرحلة الانقسام ويفتح الباب أمام انتقال سلمي حقيقي للسلطة في ليبيا بعد أكثر من عقد من الاضطرابات.