ظهر مصطلح المسؤولية الاجتماعية للشركات في منتصف ستينيات القرن الماضي مع تزايد سيطرة الشركات المتعددة الجنسيات على ساحة النشاط الاقتصادي. يتمحور الهدف الأساسي للمسؤولية الاجتماعية للشركات حول تعزيز الالتزام بالقانون والأخلاق، فالشركات المتعددة الجنسيات وجدت نفسها تعمل في بيئات اقتصادية واجتماعية مختلفة عن بيئة أعمال الدول الصناعية المتقدمة. ولذلك كان تركيز المسؤولية الاجتماعية ينصب على محاربة الاستغلال والتنافسية وعدالة الأنشطة التجارية والصناعية للشركات الكبرى. إلا أن ذلك لم يكف لوصم برامج المسؤولية الاجتماعية بأنها ليست إلا نافذة لتلميع صورة الشركات، تستخدمها لتتمكن من تمرير اقتصاديات العولمة في الدول المتأخرة. ولكن بعد أن تبنى العالم أجمع العولمة ولمس فوائدها أصبح للمسؤولية الاجتماعية للشركات دور تنموي مهم تلعبه. بالنسبة للشركات، فإن برامج المسؤولية الاجتماعية هي الجانب المتفاعل مع المجتمع والبيئة المحيطة. فأي نشاط اقتصادي لا يمكن له أن يستمر في العمل إن كان يضر بمصالح المجتمع، سواء كان الضرر بيئيا أو استهلاكيا أو حتى تهديدا اجتماعيا. ولذلك فإن برامج المسؤولية الاجتماعية تعتمد على تحقيق ثلاثة أهداف أساسية، أولها تخفيض التلوث بكافة أشكاله في أنشطتها، وثانيها تبني البرامج التعليمية والاجتماعية، وثالثها تحقيق العائد المناسب على الموارد التي تستخدمها الشركة. احدى الوسائل التي تستخدمها الشركات لتحقيق أهدافها هي التبرعات المباشرة، بحيث تقوم الشركات بتجنيب جزء محدد من أرباحها لدعم برامج اجتماعية تكافلية. هذه الوسيلة الأولى هي ما برعت فيه الشركات العربية والخليجية والسعودية التي فعلت برامج للمسؤولية الاجتماعية. ولكن على الرغم من أهمية التبرعات المباشرة، إلا أنها تغفل ركنا أساسيا للمسؤولية الاجتماعية وهو الاستدامة. مصطلح الاستدامة الذي استخدم لأول مرة في ثمانينيات القرن الماضي، أي بعد المسؤولية الاجتماعية، أصبح مرافقا لها. فكل نشاط اقتصادي ربحي لابد أن يكون له أثر على البيئة المحيطة به بشكل مباشر أو غير مباشر. فعلى سبيل المثال، فإن استخراج النفط من أعماق البحار أو باطن الأرض يؤثر على البيئة المحيطة ببئر النفط بشكل سلبي. ولكن ذلك لا يعني أن علينا التوقف عن استخراج النفط، إنما الحد من الأضرار الناجمة عن هذه العمليات. كذلك فإن عمليات التصنيع تعتمد على استهلاك الطاقة، والتي يؤدي حرقها لإطلاق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون المضر بغلافنا الجوي. وحتى الشركات التي تعتمد على تقديم الخدمات، فإنها تقوم باستهلاك موارد طبيعية واقتصادية كانت لتصبح متاحة للمجتمع لولا عملها. ولذلك فإن كفاءة استخدام الشركة لما تستهلكه من موارد يعد أيضا جزءا من مسؤوليتها الاجتماعية. كل منا مسؤول عن استدامة المجتمع الذي نعيش فيه، سواء على المستوى الفردي أو كجزء من مجموعة مثل الشركات. بل إنني أرى أن الاستدامة هي من صلب كل الأنشطة الاقتصادية الربحية، ذلك أن الرأسمالية تهدف لتعظيم الأرباح لأصحاب رؤوس الأموال. فضمان استمرار عمل النشاط الاقتصادي هو ما يحقق لأصحاب رؤوس الأموال أعلى الأرباح على المدى الطويل.