معالي الوزير الدكتور «توفيق الربيعة» لم يحظ بهذا الامتداد الجماهيري؛ لأنه قام بجهد استثنائي أو بأداء وزاري خارق، وإنما كل الذي عمله هو أنه استشعر المسؤولية، وقام بالواجب، فوظف صلاحياته الرسمية ونفوذه الوظيفي على نحو يضيق من دوائر الفساد، ويعرقل نموه الذي لا يكف عن التمدد! إذا كان كثير من الوزراء بفعل انخفاض كفاءته، قد جعل من الوزارة «ترززا» راح على إثره يبحث عن الفلاشات والحضور الإعلامي المبهرج، فإن «توفيق» قد وفق إلى تجاوز السقف المعهود، فاستشعر هموم الشارع، ونزل إلى ميدان الحياة العامة يتلمس عوامل التخفيف من غلواء المشكلات والظروف المعيشية الصعبة، فحد نوعا ما من جشع التجار- وما زالت الآفاق المأمولة أكثر من ذلك – ورفع مستوى المحاسبة ووضع المزيد من الاشتراطات والقيود التي ترَشد السلوك التجاري وتضبط أداءه العام. هناك وزراء يملؤون الدنيا ضجيجا وصخبا عبر تلك المفرقعات الإعلامية والتصريحات الشعاراتية الجوفاء، ويبذلون جهودا لاهثة لتحقيق نوع من الحضور الشعبي الممتد، لكنهم باؤوا بإخفاق ذريع، ولفظتهم الجماهير؛ لأنهم لم يكونوا من فرسان الوزارة، إذ ليس لهم من الوزارة إلا وزرها كنتيجة حتمية لكل من تخلى عن مسؤوليته الحقيقية، فاستدبر الوطن وهمش المواطن وضبط إيقاع أدائه الرسمي وفقا لمتطلبات الأنا، وعلى ضوء مكتسبات تلك الذات، التي لا تزداد مع الأيام إلا تضخما! إن القبول الشعبي لا يأتي جزافا، إذ تكلفته عالية، والمسؤول الناجح ليس هو ذاك الذي يغرق في الرسميات والبروتوكولات المتكلفة، التي تضع بينه وبين الناس جدارا من فولاذ، وإنما المسؤول الناجح هو ذاك الذي خياره الأول بل والوحيد هو الانحياز إلى المواطن والوقوف إلى جانب الضعيف، بوصفه أمير الركب، ومد يد العون للفئات ذات الدخل المادي المحدود، وتأمين الحد الأدنى من الشروط والمقومات المعيشية الكريمة، والتي تتيح لها حياة آمنة ومطمئنة ومنتجة؛ لتقف على قدميها، وتستطيع من ثم مكابدة لأواء الحياة. أيها الوزير المتألق: ها أنتم وبعد أن أطرتم التجار على الحق أطرا، بتم رقما صعبا في المعادلة الوزارية، فتعلقت الآمال بكم أكثر، بل ومضت بعيدا في التفاؤل؛ لأن تدفعوا مسيرة التنمية خطوات فساحا إلى الأمام، ولا يعزب عن علمكم أن مثل هذا الفساد المتفاقم لا يمكن تجفيف منابعه إلا من خلال تقديم عدد من الحلول المركبة والخطط الوزارية بعيدة المدى، التي تنتشل الضعفاء، وتحد من هذا الهوس التجاري من قِبل بعض من بني جلدتنا، ممن يريدون تشطير المجتمع لنكون في النهاية أمام تلك الثنائية المظلمة: إما بئراً معطلة أو قصراً مشيد!