يزور المملكة اليوم الرئيس العراقي فؤاد معصوم. والمملكة والعراق بلدان أساسيان في الذود عن الأمة العربية والإسلامية وحماية حقوقها، لو لم يبتلَ العراق بنظام غاشم توسعي مثل نظام صدام حسين، وبمرض الطائفية العمياء التي خطفت العراق من أحضان أمته ومن ضمير العراقيين، في السنوات الماضية. وبنظر كل الحكماء والصادقين، وبضمير كل المخلصين، فإن المملكة، قيادة وحكومة وشعباً، لا تود للعراق وشعبه إلا الخير والاستقرار والسلام. وتؤلمها آلام العراق، وتحزن لما آل إليه حال العراقيين من الفرقة والنزاع والتمزق والحرب الطائفية المقيتة. وطوال السنوات الماضية كانت المملكة تدعو بكل صدق الأخوة وشهامة الموقف، الحكومة العراقية إلى الجنوح إلى العقل والحكمة وإنجاز مصالحة وطنية حقيقية؛ لإنقاذ العراق وإخراجه من دوامة العنف والحرب الطائفية، وإيصال العراقيين إلى بر السلامة والأمان. ولو أصغى حكام العراق السابقون إلى نصائح المملكة ودعواتها المتكررة، لكانت الفتنة قد وئدت، ولكانت نيران البغضاء قد خمدت في عراقنا الشقيق الحبيب، ولعاش العراقيون في بلادهم بأخوة وتعاون وتكاتف ووئام، ولتفرغوا لخدمة بلادهم واستغلوا قدراتهم الفذة والخلاقة وثروات بلادهم الوفيرة، في بناء الاستقرار والازدهار، ولانخرطوا في نهضة استثنائية تنقل العراق تنموياً من حال القرون الوسطى إلى عناق الخدمات المدنية الحديثة. إذ العراقبغداد وعراق الخلافة وعراق النهضة والحكمة، ومواطنوه الكرام، لا يستحقون أن يكونوا رماداً لنيران الكره والتدمير وضحايا لدسائس المؤامرات. ولكن حكام العراق، وبالذات نوري المالكي وأعوانه، بدلاً من أن يضعوا أيديهم بأيدي المخلصين للعراق وشعبه، وبدلاً من الانخراط في حلول حقيقية وفعالة لمشاكل العراق، تفرغوا لتأجيج الطائفية ووظفوا قدرات هائلة لإشعال نيرانها في العراق، وأدخلوا العراق في أنفاق مظلمة، إلى أن وصل أن تكون بلاد الرافدين ميداناً لسفك الدماء الطاهرة. وفي الحقيقة، فإن لدى قادة العراق الجدد فرصة للاستماع إلى نصائح المملكة وبلدان الخليج والضمائر المخلصة، لاستقرار العراق وسلامه، وبالبدء بإجراء مصالحة حقيقية لا تستثني أحداً ولا تغلب مكوناً على آخر، ولا تصغي إلى الأصابع الخارجية التي لا يهمها سوى توظيف النيران في العراق لصالح سياساتها وطموحاتها وثأرياتها الطويلة. والمملكة، قيادة وحكومة وشعباً، ليست لديها أية مطالب أو أطماع في العراق، وكل ما توده أن يعود السلام إلى العراق، وأن يعيش العراقيون في عراقهم مطمئنين كراماً آمنين، وأن ينهض العراق سيداً لقرارته مستقلاً بشخصيته ومصالحه وهويته. لأن العراق الآمن السيد المستقل هو دعم للأمة العربية والإسلامية، وضد للمؤامرات والدسائس وخبائث التوظيف الطائفي، التي لم ينل منها العراق والعرب والمسلمون سوى النزاع والتمزق والكره والحروب والدماء.