تعتبر إشكالية توطين الوظائف في بلدان مجلس التعاون أمرا في غاية الأهمية والحساسية في آن، فخلال العشرين عاما الماضية كانت هناك الكثير من المناقشات في هذا الشأن، تبناها اتحاد غرف دول مجلس التعاون، بدأت بحماس وانتهت بالفتور. فالأمر مقلق مع تخوف من تنامي معدل الشباب الباحث عن عمل، وبالتالي ارتفاع حصيلة العاطلين عن العمل في البلدان الخليجية، فبحسب تقرير أعده خبراء في صندوق النقد الدولي يتناول إصلاحات سوق العمل؛ لتعزيز التوظيف والإنتاجية في مجلس التعاون، فإن نمو القوى العاملة في منطقة الخليج يتراوح بين 3 إلى 4 بالمئة كل عام، وان أعدادا إضافية تتراوح بين 1.2 إلى 1.6 مليون مواطن خليجي قد يدخلون السوق بحلول عام 2018 فما العمل إزاء ذلك؟ وتوقع الخبراء ارتفاع أعداد البطالة حتى ذلك العام وهو أمر وارد، وزد عليه التذبذب في أسعار النفط، والأحداث السياسية والأمنية بالمنطقة والتي تخل بميزانية الدول الخليجية لصالح الجهد العسكري على حساب الإصلاحات، ناهيك عن المشاكل التي تتعرض لها دول الأوبك وبالتالي تؤثر على أسعار النفط وتضغط على الدول الخليجية، واعتماد بعض الدول المستوردة على نفسها في البحث عن بديل للنفط والغاز الخليجي، بالإضافة إلى انعدام وجود رؤية حقيقية لإستراتيجية اقتصادية طويلة الأمد. كلها أسباب تقود دول الخليج إلى التوجه نحو سياسة ترشيد الإنفاق العام، الذي بدأ العمل به في بعضها فعلياً، وسيترتب على ذلك تباطؤ أو توقف عملية التوظيف في دول المجلس، وبالتالي ارتفاع اكبر من المتوقع لمعدلات البطالة. أضف لذلك العمالة الأجنبية التي سجلت سطوة كبيرة في الارتفاع خلال السنوات العشر الأخيرة، فهناك حقيقة أشار إليها التقرير وهي «تباطؤ نمو الوظائف في القطاع العام حيث يتم توظيف المواطنين مقارنة بالقطاع الخاص الذي يوظف في الغالب العمالة الأجنبية ذات المهارات المنخفضة»، فبالإضافة إلى أن القطاع الخاص في بلداننا يعاني من ضعف في بنيته فهو أيضا يغرق سوق العمل بالعمالة الأجنبية التي تنمو بمعدل كبير، فبحسب التقرير فإن نسبة العمالة الأجنبية في الخليج (بدون دولة الإمارات) تصل إلى 88 بالمئة. ففي البحرين على سبيل المثال ينافس الأجانب البحرينيين في الوظائف وقد بلغت نسبتهم في القطاع الخاص 82.6 بالمئة حتى 2011، وبالطبع فان النسبة ارتفعت خلال السنوات الثلاث، في حين بلغت نسبتهم في القطاع العام 13 بالمئة وفق إحصائيات مصرف البحرين المركزي. حتى بلغ عدد الأجانب المقيمين 610.332 أجنبيا مقابل 584.688 بحرينيا، وتلاحظ تفوقهم على أعداد السكان. الزائر للبحرين سيلاحظ الضغط الذي يشكله ذلك سواء في الشوارع أو الأماكن العامة من ازدحام مروري إلى ازدحام في الأسواق والمجمعات، ناهيك عن استنزاف الموارد والخدمات الأخرى ومنافسة المواطن في أمور حياتية قد تؤدي لمشاكل بالمستقبل.