لست ممن ينظر إلى نصف الكأس الفارغة ويحكم على الأحداث بمنظور سوداوي سيء بيد أن الأحداث المتلاطمة ومايحيط بنا من مكائد وضغائن تدعونا إلى قراءة الواقع بصورة أكثر وضوح. ثمة تغييرات جذرية وشبه سريعة في المواقف الدولية تطرأ على مشهد الأحداث العالمية ..وفي العرف السياسي هناك مقولة تؤكد أنه لا وفاق دائم ولا فراق مستديم بل هناك مصالح تدعو للحاجة بين هذه وتلك . التصريحات الأخيرة لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمجلة ذا اتلانتيك تؤكد أن الحراك السياسي الذي أشعله سموه في القارة الأمريكية قد أتى بثماره لأن الرجل يعمل بحنكة هادئة بعيدة عن جعجعة البعض فبدى سموه أكثر عقلانية في طرحه المتزن حين أكّد أن الوضع في سوريا مؤلم داعياً الرئيس السوري بشّار الاسد أن لايكون دُميةً في يد طهران أو كما عبّر سموه . هذه تدعونا إلى أن نستشف من تصريح سموه روعة العمل في رأب الصدع العربي وتجنيب المنطقة حروبا لا طائل من وراءها سوى الدمار الشامل . محمد بن سلمان بكل بساطة يحكي للغرب عن سياسة واقتصاد عربي متين وهو يحمل طموحات وأحلام شعبه للاصلاحات الاقتصادية الكبيرة التي بدأها ومازال لذا فإن من أبرز اهتمامات ولي العهد أن تكون البيئة المحيطة والدول المجاورة في المنطقة في سلم وأمان واستقرار بقدر الإمكان. والمتابع لكل ما يجري في المنطقة سواء في الخفاء او العلن يدرك ان زياره ولي العهد للغرب ثم لامريكا لم تكن عادية بل استثناءية طرحت أمام سموه القضايا المحورية والإقليمية لوجود حل دبلوماسي حتما هذا وقته المناسب . الرئيس الامريكي ترامب في تصريحه بالأمس توافق ضمنيا مع ماصرح به الامير محمد بن سلمان.. ترامب يريد أن يعيد قواته إلى دياره ، ويريد أن يبدأ بإعاده بناء أمته بعيدا عن الحروب خصوصاً وأن مهمة أميركا في سوريا كانت لمحاربه داعش.. واعتقد أن مهمتهم قد جنت ثمارها بالقضاء عليها. كانت توقعات الرئيس الأمريكي في محلها وهو يشير إلى أن تواجد قواته في المنطقه مُكلف وميزانيتها العاليه تستفيد منها دول أخرى أشار اليها في ثنايا حديثه.. كل تلكم المعطيات تشير إلى أن طرح الامير محمد بن سلمان هو الأكثر قوة في السياسة الأمريكية حين تتوافق الروىء بين قطبين كبيرين السعودية واميركا. إقناع امريكا ليس سهلا لكنه حتما سيعيد الأوضاع الى طبيعتها كما كانت في السابق والتصريحات الجريئة والقوية لسمو الامير محمد بن سلمان تعد تاريخية وورقة لاتعوض امام النظام السوري الذي يتخبط ويريد أن يتعلق ولو بقشة كي لايقصم ظهره وفي ذات السياق على الأسد ان يسارع لكسب الوقت وتقديم تنازلات لشعبه وهو يعلم جيدا أن فاتوره إعمار سوريا الباهضه والمكلفة لن تتحملها الدول التي غررت بالسوريين الفترة الماضية. فأيران التي كانت تدّعي الوقوف بجانب النظام السوري والحروب والدمار الذي خلفته في بلد عربي حتما لن تدعمه مجدداً للبناء والتنمية فهذا لايروق لنظام الملالي مُطلقاً. الملالي يريدون انظمة ودول متواطئة لتصبح دمية تحركها كيف تشاء ليستمر مسرح الاقتتال بين الشعوب العربية والمسلمة مستغلهً مبدأ المذهبية العفنة والتي تعوّل عليها لكسب تعاطف الأقلية في المحيط العربي والإسلامي. بيد أن ولي العهد سارع إلى تفنيد كل تلكم الصور المقيتة حين وصف الشيعة في المملكة بأنهم ينعمون بحياة طبيعية ولا توجد أي مشاكل مع المذهب الشيعي ووصف بالقول إن لدينا مسلمون سنة وشيعة وهناك اربعة مدارس فقهية تتعايش منذ أمد بعيد لكن الثورة الإيرانية خلفت نظاما قائما على ايديولوجيه الشر المحض وان مرشد ايران هو هتلر الشرق يحاول احتلال العالم ووصف سموه محور الشر الثلاثي ايران وجماعة الإخوان والفئات الإرهابية هم أساس كل بلاء يجتاح العالم ووصف سموه ان هذا ليس من الإسلام في شيء لإنه كلمة الله الحسنى ولم ينتشر بالسيف . كل تلكم المدلولات تضعنا امام سياسة انفتاح جديد على العالم بعيدا عن الحروب والدمار الذي سيخلف أجيالا جاهلة وضائعة لكن السعودية التي وصفها سموه بالدولة الكبرى لن تنجرف خلف اهواء خبيثة لجرها الى حروب لاجدوى من وراءها سوى التأخر والضعف. الامير محمد بن سلمان يريد أن يستثمر في الانسان السعودي القوة في العلم والمعرفة ليصبح منتجا صالحا ويريد أن يصل برسالته الى العالم الى ان السعودية اكبر من ان يلصق بها البعض تهم التطرف فقد عانت لسنوات من القاعدة وداعش وإيران وتكبدت خسائر جمة من محور الشر الثلاثي الذي لايزال يعبث بمقدرات الأمة العربية والإسلامية. رسالة ولي العهد وصلت وعلى سوريا اليوم ان تخلع عن نفسها جلباب العار الذي تتوشحه قيادتها خلف ايران لتعود الى حضنها العربي وعلى بشار ان يتلقف رسالة الامير محمد بن سلمان بحنكة وذكاء كي لا يقع فريسة سهلة المضغ لأطماع ايران ومن يتبعها.. فهل الرسالة وصلت ..لعلها تكون كذلك !!