محمد سندي قد يكون الموظف جزءا من أساس النهضة، وقد يكون لبنة في بنائها، وقد ينظر إلى البناء في إعجاب، دون أن يبادر بأي جهد في تشييده، فإلى أي فريق تريد الانتماء؟ فكم من مبادرة صغيرة أصبحت مشروعا خالدا، وكم من مبادرة ذاتية حققت نجاحا كبيرا، وكم من مبادرة تحفيزية كشفت موهبة خفية وفكرا إبداعيا. إلا أنه يلاحظ أن الموظف يكتفي بالتكليف الموكل إليه من رئيسه في أداء مهامه الوظيفية، لأن طبيعة الوظيفة قد تفرض هذا التصرف، إذ إن الفكر السائد أنه طالما يوجد رئيس ومرؤوس، فإن المرؤوس يفضل في غالب الأحيان أن يبقى في دائرة التكليف التي يظن أنها تشكل أمانا له ضد أخطائه، أو تجنبه لوم رؤسائه وتحمله المسؤولية. فالموظف الذي يرقى إلى المبادرة في أداء مهامه، هو ذلك الذي يتمتع بصفات ومميزات تؤهله ليكون مبادرا، وبإمكانه توقع كثير من المهام الأخرى، إذ تتولد لديه الرغبة في تحمل مسؤوليات إضافية، فضلا عن مسؤولياته المحددة في توصيفه الوظيفي، فربما يقوم بممارسة أعمال إضافية في إدارته أو في فريق عمله، وهذا يعني أنه موظف يتميز بروح المبادرة. وبلا شك، إن المبادرة تنطلق من الشعور بالأمانة والمسؤولية، ثم القيام بها على الوجه الصحيح الذي يرضي الله عز وجل أولا، ثم مسؤوليه ثانيا، هذا بالنسبة للفرد. أما على مستوى الجماعة، فيدخل عنصر جديد، وهو دور الرؤساء والمسؤولين في غرس روح المبادرة داخل موظفيهم، وتشجيعهم على ممارستها حتى تتم الاستفادة من العناصر التي تمتلك هذه الروح أصلا. إن للمبادرة دورا كبيرا في تحقيق التغيير والتطوير، وكشف المواهب والإبداع، لأنها تحقق حلولا قد تخفى عن أعين كثيرين لمشكلة معينة. فينبغي على الموظف أن يدرك قيمة عمله الذي يؤديه في إدارته التي ينتمي إليها، كي يتأقلم مع المتغيرات الجديدة التي تشهدها إدارته، وأن يرسخ انتماءه إليها، ويشعر بأنه جزء منها، وأن ارتقاءها هو ارتقاء له، وتكون مصلحتها هاجسا له. كما أن اتباع الموظف -لأساليب العمل المقررة من إدارته- يمثل الخطوة الأولى في طريق التغيير نحو الارتقاء والتطوير والابتكار والإبداع. وينبغي أيضا أن يكون الموظف مستعدا وجاهزا لمسايرة كل جديد، ولا يتم هذا إلا عند توافر قدر من المرونة عند الموظف ليساعده على الانتقال إلى المرحلة الجديدة. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: ما تعريف المبادرة؟ المبادرة، هي رؤية ثاقبة تصدر عن شخص متأكد من أنها ستتبلور في أذهان المهتمين بها، وستنتقل إلى مرحلة التطبيق، بمعنى أنه يمتلك إستراتيجية التميُّز التي تحثه على تنفيذ رؤيته، لأن المبادرة لا يمكن أن تصدر عن موظف له رؤية مبهمة وغير عملية، فبالتالي لن يكون هذا الموظف مبادرا في أي حال. ولا تكفي الرؤية الثاقبة في المبادرة فحسب، بل لا بد من الاستفادة من تجارب الآخرين، وانتهاج أسلوب ناجح لعرض المبادرات، لأنها في حقيقتها اجتهاد وإبداع، واتخاذ الإجراءات المتنوعة من الموظف، لتحقيق أهداف إدارته. وعلى المدير تشجيع الموظف على المبادرة، ودوره في تطوير هذه الرؤية هو أساس التغيير والتطوير والإبداع، ويمكن تلخيص دوره في النقاط الآتية: • معرفة ما الذي يحول بين الموظف والإبداع • وضع عدة حلول لتذليل العقبات، إن وجدت، واختيار أنسبها وإيجاد الحوافز المعنوية والمادية • الاهتمام بالموظف وما يعمله • تنمية روح الإبداع لديه، وإشراكه في بعض القرارات • التغاضي عن بعض الأخطاء غير المتعمدة • زرع روح الثقة والفريق الواحد وخلال غرس النقاط السابقة لدى الموظف، يمكن أن نجني وننتج مبادرة «أنت مبدع»، وتكمن أهمية هذه المبادرة في صقل جهود الموظفين، وتحفيزهم على العمل، والاستفادة من مهاراتهم وجهودهم، وتقدير حقهم المعنوي، وتنشيط الجانب الإبداعي لديهم. أو مبادرة «تستاهل» التي تهدف إلى تعزيز الثقة والتقدير لجميع منسوبي الإدارة، وإظهار التقدير لجهودهم وتفانيهم في أداء عملهم، وكذلك لتحفيز زملائهم ليحذوا حذوهم. وهذه المبادرة ليست ذات قيمة مادية كبيرة، بقدر ما فيها من تقدير معنوي، إذ تتمثل في مفاجأة الموظف -فور وصوله إلى العمل- بهدية رمزية أو شهادة شكر على جهوده وتفانيه. خلاصة القول، إن على الموظف أن يضع نصب عينيه أنه أمام خيارين «إما أن يكون تابعا أو مبادرا»، ولا شك أن أي إدارة ترغب في أن يكون موظفوها مبادرين ومبدعين.