تضمنت رؤية المملكة 2030 بوضوح أن كل مواطن في الدولة هو قائد في محيطه. فالوطن الذي ننشده لا يكتمل إلا بتكامل أدوار مواطنيه. فلكل دوره، سواء كان عاملاً في القطاع الحكومي أو الخاص أو غير الربحي. فنحن لا نبحث عن شخص نطلق عليه «القائد» لكي نعلق مسؤولياتنا على عاتقه. فتحقيق المنجزات والمكتسبات التي تسعى الرؤية لتحقيقها لن يتأتى إلا بتحمّل كل منا لمسؤولياته، ويبذل ما في وسعه من الجهد لأداء واجبه المنوط به، ويعمل فكره وخياله لكي يجعل بيئة العمل محببة لمرؤوسيه، فيحولهم إلى أشخاص مبدعين ومنتجين وملتزمين، ويحول العمل بالنسبة لهم إلى أمر هام كما ينبغي أن يكون، فيخصص حافزاً، ويختار موظفاً مثالياً، وينصت للأفكار ويهتم بالمشكلات، ويظهر الإعجاب بعمل المبدعين من خلال كلمة شكر أو شهادة تقدير أو ابتسامة تشجيع. إن تحديات ومتغيرات اليوم -كما جاء في الرؤية- تتطلب أدواراً جديدة. لذا، فإنه ينبغي أن تكون ثقتنا في أنفسنا وإمكاناتنا كبيرة، وأن نكون مدركين للمسؤوليات الملقاة على عواتقنا، ومن ثم على ما ينبغي أن نتحلى به من قدرات تمكننا من تحقيق إنجازات مميّزة لوطننا ولمجتمعنا ولأسرنا ولأنفسنا. ومن هنا، فإن الشخص القائد الذي تتكلم الرؤية عن مسؤولياته ليس هو ذلك الشخص الذي يجعل «الرؤية» من أمور «الديكور» التي يستخدمها في الوثائق ويطرحها على مواقع الإنترنت، فلا يكون لها علاقة فعلية بما يقوم به من أنشطة فعلية في محيط عمله. فإذا كانت الرؤية تتحدث عن الانطلاق والجودة، نجده لا يذكر إلا خفض الكلفة، وإذا كانت تذكر الإبداع، نجده يحرص على الإطاحة بالمبدعين. فالمؤسسة الي يقودها حينئذ كالسفينة التي تبحر في بحر هائج على غير هدىً، فيسارع من يعرف السباحة بالقفز منها ولا يبقى فيها إلا من لا يجيد السباحة. كما أنه ليس هو ذلك الشخص الذي يلزمه الحزم وينقصه العزم، فهو يدرس تجارب الآخرين الناجحة وبيئة عمل مؤسسته وظروفها المالية، ثم يضع الأهداف الإستراتيجية والمبادرات التي ينبغي أن تسير عليها المؤسسة، ولكنه ما إن يشرع في تنفيذ إحدى هذه المبادرات إلا ويقابل بالصعوبات المعتادة عند التنفيذ، والمعارضة المتوقعة من بعض رؤسائه ومرؤوسيه، فلا يصبر عليها ولا يصر على تجاوزها، وينكص على عقبيه، فيوقف المبادرة ويشرع في أخرى، ثم يتركها عند مواجهة الصعوبات ويشرع في غيرها، وهكذا دون أن ينهي مبادرة أو يتقدم بمؤسسته خطوة، فهو يجد الشجاعة دائماً في الاحجام وليس في الإقدام. كما أنه ليس هو هذا الشخص الذي يجيد العشوائية، ويفتقد إلى التنظيم والتنسيق، فإذا وضع نظاماً للعمل، كان هو أول من ينقضه، وإذا قام بتوثيق الإجراءات والسياسات، كان على رأس من يتجاهل تنفيذها. فيضيع الوقت في حل المشكلات الناجمة عن العشوائية والارتجالية. كما أنه ليس هو هذا الشخص الذي يظن أن إبراز نجاح مرؤوسيه يدفعهم إلى المغالاة في طلب الامتيازات والحوافز، والذي يعتقد أن الدهاء كل الدهاء يكمن في إخفاء النجاحات وتهميش الإنجازات، وتضخيم الأخطاء، وإبقائها كالسيوف المعلقة، الجاهزة للسقوط على رقاب من يسعون للحصول على مقابل لنجاحاتهم. إن مسؤولية القائد في محيطه، وكلنا ينبغي أن نكون ذلك القائد، هي تلك التي تحض عليها مبادؤنا الإسلامية وقيمنا العربية وتقاليدنا الوطنية. وفي نفس الوقت هي تلك التي تدفع إلى الانضباط وبذل الجهد، وإلى اكتساب المهارات والاستفادة منها، وإلى السعي لتحقيق الطموحات، وذلك كما جاء في الرؤية.