نعمة جامع حين أقرأ في إحدى الصحف العربية التي تنشر في الخارج خبرا مفاده أن مقترح التجنيس لمجلس الشورى كان سببا في وجود معارك توتيرية ومشادات لفظية بين المغردين في السعودية أشعر بالأسى، لأن مجرد جدل عكس ثقافة البعض وأظهر أسوأ ما فيهم بدلا من أن يكون توتير منصة لعرض ما هو أفضل وأجمل. سأكتب اليوم حول الموضوع، ولكن بطريقة مختلفة، ومن زاوية أخرى، وقبل ذلك أقف احتراما أمام كل الآراء التي ذكرت حول التجنيس سواء كانت مؤيدة أم معارضة، فالنقاش بحد ذاته ظاهرة صحية، ولكن لابد من أن نتفق أن أجمل ما في الحياة هو الاختلاف، والأجمل من ذلك أن نتقبل هذا الاختلاف أي التعايش. المشكلة ليست في الحديث عن التجنيس، وإنما في طريقة طرحه ومناقشته مما جعل منه مجرد جدل. فمثلا حين يكون الحديث عن التجنيس من زاوية من يستحق الجنسية أو من لا يستحق فلابد أن يتذكر الجميع أولا وأخيرا أن التجنيس هو أمر سيادي، ومن بيده الأمر أعلم بما فيه صالح العباد والبلاد، فلا حاجة أن تطرح مثل هذه الملفات الوطنية للمناقشة على منصات التواصل الاجتماعي بأسلوب مستفز، وتعصب مقصود لا فائدة منه، لذا علينا النقاش بكل هدوء مع ضبط النفس ومحاورة الآخرين بمبدأ عرض الرأي وليس فرضه مهما كان الموضوع. عند الحديث عن تجنيس أبناء المواطنات فنحن لا نتكلم عن كائنات فضائية تعيش في المريخ، بل عن جزء من النسيج الوطني والتركيبة السكانية، لذا يعتبر مقترح تجنيسهم عاملا مساعدا لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساهمة في بناء المجتمع. عندما يكون الحديث عن التجنيس علينا أن نفهم ونفصل، فنحن لا نتحدث عن أشخاص أو حول أعراق، بل نحن نتحدث حول نظام وقانون، لذا لابد من مراعاة ذلك عند النقاش لكيلا يتحول الحديث فجأة إلى عنصرية وخطاب كراهية. أيضا عند الحديث عن التجنيس على أساس أنه خطر على المجتمع فمجرد متابعة الحديث عنه بطريقة الردح الإلكتروني قد تكون سببا للفتن وتمزيق اللحمة الوطنية. حين يكون المتحدث عن التجنيس على أساس أنه تغريب لثقافة المجتمع السعودي، وسبب في تخلف فهو لم يدرك ما فعله نظام التجنيس في دول العالم حين أصبح الكل بموجب القانون مواطنين البلد الواحد، كما أن الاختلاط بالشعوب والتعرف على ثقافاتها والاندماج معها من سنن الحياة قال تعالى (جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا). حين يكون الحديث عن التجنيس على أنه استغلال لخيرات الوطن وفرض سوء النية مسبقا في الشخص المجنس بطريقة غربية لابد أن نقف ونسأل المواطن ماذا قدمت للوطن من خلال وطنتيك؟ فالوطن ليس حكرا على أفراد. حين يكون الحديث عن الجنسية والتجنيس لابد أن يكون عن أفكار ومؤهلات وكفاءات وثقافات وعقول تخدم الوطن بدلا من أن يكون الحديث محوره مجرد جدل.