مع تثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة فقد بدأ الفلسطينيون التحرك على مسارين متوازيين الأول وهو إعادة بناء القطاع مع إعطاء الأولوية لتوفير الاحتياجات العاجلة للسكان، أما الثاني فهو الإعداد لهجوم سياسي يقوم على رفض الأسلوب الذي تم اعتماده على مدى 20 سنة ماضية في المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية. وبالمقابل فقد قالت مصادر إسرائيلية إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يواجه واحدة من أصعب فتراته في الحكم، إذ مع انخفاض شعبيته إلى ما دون 32% فإنه يعكف على مواجهة معركة داخلية من غير المستبعد أن تطيح به سيما في ظل إجماع إسرائيلي على أنه هزم أمام المقاومة الفلسطينية في غزة وإن كان الدمار الذي خلفه في القطاع كبيرا جدا. وكانت مصر أعلنت قبول الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وقف إطلاق النار الشامل والمتبادل بالتزامن مع فتح المعابر بين قطاع غزة وإسرائيل بما يُحقق سرعة إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثة ومستلزمات إعادة الإعمار والصيد البحري انطلاقاً من 6 أميال بحرية، واستمرار المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين بشأن الموضوعات الأخرى خلال شهر من بدء تثبيت وقف إطلاق النار. وقال مسؤولون فلسطينيون إنه بعد ثبات وقف إطلاق النار فإنهم بانتظار أن تسمح إسرائيل بإدخال المواد الغذائية والطبية ومواد إعادة الإعمار إلى قطاع غزة سيما في ظل الاحتياجات الكبيرة في القطاع بعد 50 يوما من القصف الإسرائيلي الذي لم يتوقف. ورجح مسؤولون أن تدعو مصر قريبا جدا الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي إلى القاهرة لبدء التفاوض حول إعادة ترميم وتفعيل قطاع غزة وإعادة بناء الميناء وفضلا عن الاتفاق على إطلاق سراح أسرى من السجون الإسرائيلية. ولكن المسؤولين أشاروا إلى أن حالة عدم اليقين قد تؤدي إلى تأجيل مؤتمر للمانحين لإعادة إعمار غزة كان من المقرر عقده الشهر المقبل في العاصمة المصرية القاهرة إلى الشهر الذي يليه وذلك لضمان أكبر قدر ممكن من المساعدات الدولية لهذه العملية التي يرجح أن تستغرق عدة سنوات وتتكلف عدة مليارات من الدولارات. وما يدفع من حالة عدم اليقين هو الوضع الذي وجد فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه بعد قبول اتفاق وقف إطلاق النار في ظل وضع تجد الغالبية من الإسرائيليين أنه لم يحقق ما كانت تصبو إليه إسرائيل من تدمير لحركة (حماس) ونزع الأسلحة من قطاع غزة، وهي أهداف وضعها نتنياهو دون أن يتمكن من تحقيقها. وفي هذا الصدد فقد كشف النقاب أن نصف أعضاء المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية لم يوافقوا على اتفاق وقف إطلاق النار وهم وزراء الخارجية أفيجدور ليبرمان والأمن الداخلي إسحق اهرونوفيتش والاقتصاد نفتالي بنيت والإعلام جلعاد اردان. وقد استند نتنياهو إلى رأي المستشار القانوني للحكومة الذي أجاز الموافقة على الاتفاق دون التصويت عليه في الحكومة الأمنية الإسرائيلية، حيث وجد نتنياهو نفسه وحيدا مع وزراء الدفاع موشيه يعالون والمالية يائير لابيد والعدل تسيبي ليفني التي بدورها لم تخف عدم رضاها عن الاتفاق رغم عدم تصويتها ضده. ومما زاد من وضع نتنياهو صعوبة هو مهاجمة رؤساء المجالس المحلية في التجمعات السكانية الإسرائيلية في محيط قطاع غزة للاتفاق بعد أن عدوا الاتفاق بمثابة استسلام لحركة حماس، وقالوا بمشاعر من الغضب والخيبة: "استسلمنا لحماس. ليس من أجل هذا فقدنا المحاربين والمدنيين، وليس من أجل هذا جلسنا شهرين في الملاجئ، وليس من أجل هذا انهارت المصالح هنا، توقعنا أكثر من ذلك". وفيما من المبكر تأكيدات سيناريوهات معينة في إسرائيل مثل سقوط الحكومة الحالية أو الذهاب إلى انتخابات جديدة فإن من الواضح أن نتنياهو يواجه صعوبات كبيرة في الداخل الإسرائيلي. أما سياسيا فإن الفلسطينيين يستعدون لهجوم سياسي وذلك بمطالبة مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة التدخل في حل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وذلك بعد إخفاق 20 عاما من المفاوضات الثنائية الفلسطينية - الإسرائيلية برعاية أميركية في حل هذا الصراع. وذكر مسؤولون أنه تم تكليف اللجنة السياسية المنبثقة عن القيادة الفلسطينية لإعداد تصورات بهذا الشأن من أجل اعتمادها وعرضها على العرب والغرب.