لا شك أن النص الإبداعي يعكس تجربة الكاتب الأدبية، التي صنعها، من خلال تفاعله، مع طبيعة محيطه، وتعالقه الحياتي، والوجداني مع عناصر ذلك المحيط، طيلة فترة ممارسته النتاج الأدبي. وفي ظل التطورات العلمية، والتقنية، والاقتصادية، والاجتماعية المتسارعة، التي بات يشهدها العصر الحديث، فقد وجد المبدع نفسه، مشدودا، بين إرهاصات ضغوطات إيحاءات الموروث الشعبي، الزاخرة بكل نبض حسه المرهف، وبين ضرورات استجابته لتداعيات العصرنة الصاخبة، والتناغم مع مستجداتها، التي أضحت ترهق الحس، بالنتاجات الآلية الصماء، رغم كل إغراءات وهج حداثتها. ولا ريب أن السؤال الذي يطرح نفسه بجدية، لتجاوز هذا الإشكال هو كيف يتعايش الكاتب والأديب إذن، مع كل تلك الإيحاءات المتناقضة، لاسيما وأنها حاضرة في وجدانه بقوة، ومن ثم، فهي تؤثر بشكل مباشر في تشكيل معالم النص الأدبي. فمعروف أن إيحاءات العصرنة الصاخبة تتجسد في واقعه اليومي، بكل تلك التطورات التقنية والتحولات الاجتماعية المتعالقة، حيث أتاحت العصرنة أدوات جديدة للتواصل، والتعبير، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، التي غيّرت مفهوم النص الأدبي، لتجد في شاشة الهاتف الذكي أكثر من نص، وأكثر من قصيدة، وأكثر من صورة. كما أن ضجيج عصرنة الحياة الصاخب، والتطورات السريعة، في تطبيقات الذكاء الاصطناعي قد أثرت على واقع شكل النص، ومضامينه، فأصبح القارئ يبحث عن الإيجاز، والتكثيف، والتأثير السريع، الذي يتيحه إيقاع عصر السرعة. ولابد من الإشارة إلى أن عصرنة المعرفة قد تمظهرت بالتعددية الثقافية، فصار النص مهما كانت خصوصيته، منفتحا على ثقافات مختلفة، بلا قيود، حيث مسخ واستلاب الكثير من أصالة الهوية، رغم كل إثراء التعددية للتجربة الإبداعية. وهكذا أصبح الأدب اليوم وليد فضاء العالم الافتراضي المفتوح، وليس بالضرورة وليد الأديب الواحد الذي ينبغي أن ينتسب إليه. ولذلك بات من الضروري التواصل مع الموروث الزاخر، والحرص على أصالة هويته، مع ضرورة التناغم المتوازن مع معطيات العصرنة، في الوقت نفسه، لمواكبة هذا التطور المتسارع في عصرنة الحياة في كل المجالات. ولا شك أن هذه المهمة تتطلب إبداعا متجددا ، وابتكارا مقتدرا في التعبير، بحيث يتمكن المبدع من أن يستخدم الموروث الشعبي، ويُحدثه عبر أدوات العصر الحديث، ويمزج التراث بالحداثة، ليستولد نتاجا جميلا، تتجسد فيه نكهة الماضي ، ويحضر فيه وهج العصرنة، دون نشاز، وبما يضمن الحفاظ على أصالة الهوية، ويجعل العصرنة عامل إثراء وتطوير للموروث، وليس وسيلة مسخ وتشويه. ولا ريب أن تبني مثل هذا النهج التناغمي في الاستجابة لإيحاءات استلهام الموروث، والتعالق مع إيحاءات العصرنة، يطرح إشكالية كيفية التفاعل مع القارئ الجديد، الذي أفرزته العصرنة، وبالتالي فإن الكاتب، والأديب اليوم، مطالب بأن يفهم متطلبات وأذواق جمهور متلق عصري، يختلف في متطلباته عن جمهور متلقي الأمس التقليدي، مما يحتم أن يكون النص الإبداعي متجددًا ومشوقًا.