لم تكن طفولتي هادئة أو ساكنة، بل كانت مليئة بالأحلام، حلمٌ يكبر في داخلي يومًا بعد يوم، رغم أن العوائق كانت أكبر، وُلِدتُ ونشأتُ في البادية، حيث كانت الحياة قاسية لا ترحم، في قريتي، كانت الدراسة متاحة حتى الصف السادس فقط، ثم كان علينا أن نغادرها متجهين إلى المدينة، ونحن لا نزال صغارًا، لمواصلة الدراسة. هنا، بدأت معاناتي الحقيقية، لم يكن هناك منزل مريح يأوينا، ولا وسائل نقل تُسهّل علينا التنقل، وكانت أيدينا شبه خالية، تفاقمت التحديات عندما تزوجت وأنا لا أزال في الصف الثاني المتوسط، ولكن شيئًا في داخلي كان يرفض الاستسلام، استطعتُ التغلب على كل هذه المتاعب والصعاب، وكل ذلك بفضل الله أولًا، ثم بفضل وقوف والدي ووالدتي إلى جانبي وجانب إخوتي. كان من الصعب أن أوفّق بين الدراسة وإدارة أسرة كاملة، وأن أوازن بين متطلبات زوجة وولد وبنت وبين الدراسة في المعهد، كانت أيامًا شاقة، لكنها كانت مليئة بالحلاوة رغم كل المصاعب، كان الحب يملأ بيتنا المتواضع، وكانت ضحكات أبنائي تنسينا كل تعب، كان للزوجه أم ناصر -رحمها الله- دور كبير في استقرار الأسرة والمساعدة على ظروف الحياة القاسية -جزاها الله- عنا خير الجزاء كانت الحياة بالنسبة لي مزيجًا من الكفاح والأمل، وكل يوم يمر كان يثبت لي أن العزيمة والإصرار يمكنهما أن يحوّلا الأحلام إلى حقيقة، أنهيتُ دراستي في معهد إعداد المعلمين، وحققتُ حلمي بأن أصبح معلمًا، ووصلت إلى الهدف الذي طالما سعيت إليه. والآن، وأنا أعيش بين أبنائي وأبنائهم، أروي لهم تلك الحياة التي عشناها، تبدو هذه القصص غريبة عليهم، قصصٌ عن حياةٍ لم يعرفوها، ولكن من المهم أن يعرفوا كيف كانت حياتنا في ذلك الوقت، وكيف أصبحت الآن، نحمد الله على كل نعمه الظاهرة والباطنة، ونحمده على نعمة الأمن والأمان التي نعيشها في ظل هذه القيادة الحكيمة.