الإبداع إنثيالات عفوية ذاتية تولدها الموهبة الفطرية بالتفاعل مع الحس المرهف، والمشاعر المتوهجة للكاتب، وهكذا يكون النتاج بهذا الوصف معطى إنسانيًا أصيلا، وحقًا ذاتيًا محضًا لمبدعه، وينسب إليه. وتجدر الإشارة إلى أن الإبداع الذاتي يجسد أصالة الذات الإبداعية للنتاج، ومن ثم فهو انعكاس لروح الفنان، وحس الكاتب، وتجربة فريدة له، تنبض بالحضور الشخصي في الساحة الأدبية والثقافية، شعرًا كان أم قصة، أم رواية، أم لوحة فنية، حيث يحمل العمل الإبداعي بصمة مبدعه، ويعكس رؤيته، ويجسد تجاربه، وأحاسيسه المرهفة، ومشاعره المتوهجة، مادام ينبع من داخل وجدان ذات المبدع، وهو ما يجعله نتاجًا أصيلًا بحتًا. على أن الإبداع شأنه شأن غيره من المجالات، طالته الكثير من التداعيات، التي أفرزتها حركة التطور العلمية، والتقنية، في كل مجالات الحياة المعاصرة، فلم يعد الإبداع في عصر الثورة الرقمية الراهنة، مقتصرًا على القلم، أو الريشة، أو اللوحة فقط، بل امتد ليشمل إبداعًا آليًا ذكيًا اصطناعيًا، في عالم افتراضي، بفضاء مفتوح في كل الاتجاهات، ويتجاوز كل الحدود والقيود، فقد بات الذكاء الاصطناعي مصدرًا زاخرًا، وشريكًا مهمًا، في إنتاج المعارف، والآداب، وغيرها من النِتاجات الثقافية، والعلمية، والتقنية. ولا ريب أن المشهد الثقافي المعاصر قد شابه الكثير من التغيرت بظهور الذكاء الاصطناعي، حيث صار بإمكان الآلة إنتاج نصوص ولوحات فنية تشبه ما يصنعه البشر، بعد أن أصبحت تعتمد تطبيقات تحليل بيانات ضخمة تستلهم الأنماط المتاحة من النتاجات؛ لتقوم بتوليد محتوى رقمي جديد، وبشكل سريع، بغض النظر عن التداعيات التي يتركها هذا المحتوى على هوية وأصالة وعراقة النتاجات الإبداعية التقليدية. والسؤال المطروح، هل يظل هذا النتاج في ضوء ما أفرزته الثورة الرقمية المعاصرة من تداعيات تعبيرًا صادقًا عن إنثيالات الذات الإبداعية للكاتب، أم أنه سيكون مجرد إنشاء آلي، باستخدام الذكاء الاصطناعي، بعد أن غدا الذكاء الاصطناعي، تطبيقًا رقميًا متاحًا للاستخدام بلا حدود. وهكذا نجد أن النِتاج الثقافي اليوم يقف في مفترق طرق، فالذكاء الاصطناعي يفتح آفاقًا بلا حدود لإنشاء النصوص، والنتاجات 0ليا، لكنه يستعصي عليه، مع ذلك، أن يحل محل الإبداع الذاتي، المفعم بالحس المرهف، والمشاعر الإنسانية المتوهجة، فالذكاء الاصطناعي، قد يولّد نصوصًا تبدو جميلة، ولكنه يفتقر للقدرة على تذوقها، والشعور بجمالياتها. ومع كل الإيجابيات التي يطرحها الذكاء الاصطناعي في توسيع الأفاق، وطرح النتاجات الفنية، والأدبية، لتكون في تناول جمهور المتلقين والمستخدمين، والسرعة في إنتاجها وتسويقها، إلا أنه يحمل مخاطر النسخ والتقليد بالإنشاء أو بالاستلال، وما يترتب على ذلك من فقدان للأصالة، وتلاشي التميز، وغياب الخصوصية الفردية. وهكذا يظل الذكاء الاصطناعي مجرد ناقل للنتاج، بأسلوب رقمي وحسب، لا مبتكرًا له حتى وإن نظم قصيدة مثلاً، إذ ما قيمة الإبداع بدون حس مرهف ومشاعر بشرية حية، لاسيما وأن الأدب الإبداعي، والفنون الجميلة، ليست مجرد معالجة بيانات آلية، بل تجربة إنسانية حية، بكل أبعادها الحسية والمعنوية.