لا ريب أن للحس المرهف وقعه الساحر في الإلهام والإبداع، ولاسيما في تفاعله الوجداني مع جماليات ربوع المكان، فالعاطفة المتوهجة والمشاعر الرقيقة تشعل في الوجدان ومضة الحس المرهف في اللحظة، وتستفز استجابته العاطفية لها بأساليب ملهمة وإبداعية. وغالبًا ما يكون الأشخاص الذين يمتلكون حسًا مرهفًا وعاطفة جياشة، أكثر استشعارًا لعناصر جماليات الأشياء، وأسرع استجابة لوهجها، والتفاعل الوجداني معها؛ ليأتي انثيالاتهم في التعبير عن ذلك الحس المرهف في اللحظة، بصور وأشكال متعددة. ويظل للتفاعل الوجداني مع ربوع المكان تأثيره الساحر في حس وعواطف الإنسان المرهف، فأماكن النشأة ومرابع الصبا التي نقضي فيها وقتنا لها وقعها في الإيحاء، والتأثير على المشاعر، وإثارة الحس المرهف للتفاعل وجدانيًا، مع إيحاءات بيئة المكان، وجعلها تبدو أكثر جمالًا وأشد توهجًا. ولعل التأمل العميق والتطلع المتفائل يستفزان الحس المرهف، ويجعلان الوجدان أكثر استجابة للعواطف الوجدانية، والمشاعر الرقيقة، في استكشاف جماليات ربوع المكان، شطآنًا كانت، أم براري، أم غابات، أم وديانًا، أم مرتفعات.. ومن ثم تحفيز الشروع بالتفاعل معها، بإيقاع متناغم بعمق مع إيحاءاتها. ومع تسلل تلك الجماليات إلى أعماق الوجدان لتسكنه كذكريات للاسترجاع عند الحاجة؛ لإنعاش الذاكرة المتوترة، والمثقلة بتداعيات واقع الحال في حينه، فقد يلجأ الكثير من المبدعين لتوثيق انثيالات في اللحظة بهيئة نصوص شعرية، أو سرديات إبداعية، أو لوحات فنية، أو أغاني ترفيهية، لتكون وسيلة التعبير الحي عن ابتهاج الحس المرهف، وتفاعلاته الشجية مع ربوع المكان.