السؤال الشائك حول «لماذا يتخلف المسلمون ويتقدم الغرب؟» أحد أكثر الأسئلة تداولاً في الفضاء العام والفكري منذ عقود، لكن بدلاً من السعي لإيجاد إجابة سطحية أو أحادية، تكمن مهمة المثقف الحقيقي في العصر الحديث في تفكيك هذا السؤال ذاته، وإثبات أنه سؤال مُصاغ بشكل خطأ ويقوم على تعميمات غير دقيقة ومُضللة. النظرة الثنائية التي تقسم العالم بشكل قاطع إلى كتلة «متقدمة» وأخرى «متخلفة» هي نظرة تعسفية لا تصمد أمام التحليل العميق؛ فهي تهمل التعقيد الهائل داخل كل مجتمع وتفشل في الاعتراف بالحقائق المتناقضة داخله. لا يوجد مجتمع يمثل قمة الكمال المطلق، فالتقدم والتخلف هما مفهومان نسبيان ومتبادلان. قد يتفوق الغرب في التقنية العسكرية والاقتصادية، لكنه قد يعاني في الوقت ذاته من أزمات اجتماعية عميقة، وتآكل في الروابط الأسرية والمجتمعية، وتحديات في العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة، مما يلقي بظلال كثيفة على مفهوم «تقدمه» المطلق. بالمقابل، وفي حين قد تعاني المجتمعات المسلمة من تحديات اقتصادية وسياسية واضحة، إلا أنها قد تحتفظ بتقدم ملموس في مجالات أخرى، كالاستدامة الاجتماعية، والقيم الأخلاقية، والثراء الروحي، والروابط العائلية القوية. كما أن هذا التعميم يهمل التنوع الهائل بين الدول الإسلامية نفسها، حيث لا يمكن معاملة إندونيسيا كالإمارات أو المغرب كمصر، فلكل منها مساره الخاص الذي يضم جيوباً متقدمة للغاية وجيوباً تعاني من التخلف، تماماً كما هو الحال في الدول الغربية التي تتضمن مناطق ومدناً تعاني من تخلف اقتصادي واجتماعي واضح. لذا، فإن المثقف ليس من يلقي الإجابات الجاهزة عن هذا السؤال السطحي، بل هو من يعيد تشكيل السؤال ذاته، محولاً التركيز من «لماذا نحن متخلفون؟» إلى أسئلة أكثر دقة وإنتاجية مثل: «كيف يمكن تطبيق العدالة في إدارة الموارد محلياً؟» أو «كيف يمكن إصلاح النظم التعليمية لتشجيع التفكير النقدي في كل من الشرق والغرب؟» هذا الإصرار على تفكيك سؤال التقدم والتخلف هو إصرار على تبني نظرة شمولية ونقدية ترفض الأحكام المُطلقة. المثقفون هم حراس هذا المفهوم، وهم مدعوون اليوم أكثر من أي وقت مضى لتعليم الجمهور أن التقدم ليس مجرد معادلة تقنية أو اقتصادية، بل هو منظومة متكاملة تتقاطع فيها الأخلاق، والعدالة، والاستدامة، والتكنولوجيا. إنهم يدركون أنه لا يوجد «تقدم خالص» ولا «تخلف خالص»؛ بل هناك تحديات إنسانية مشتركة تختلف مظاهرها وتجلياتها من ثقافة لأخرى، ومهمتهم الأساسية هي الكشف عن هذا التداخل المعقد لإنهاء الجدل العقيم وبدء العمل البناء.