انتشر مؤخرًا تصريح قال فيه صاحبه «إن نقصان درجة في الامتحان كان أشد تأثيرًا عليه من فقد والديه»، ذاكرا «أن فقد الوالدين حدث كبير وله قيمته، لكنه يتحدث عن مستوى التأثر داخل برمجته الخاصة». فهو يقول إنه تأثر وحزن على والديه، لكن درجة الاختبار لامست منطقة حساسة لديه، لذلك كان تأثيرها النفسي فيه أكبر. ويؤكد أن الناس يختلفون في نقاط التأثر، وأن ما يهز شخصًا قد لا يهز آخرًا. قبل الدخول في التحليل، أود توضيح أنني لست طبيبًا نفسيًا، لكن لدي سنوات طويلة من القراءة والاهتمام بالجانب النفسي. ما أكتبه هنا هو قراءة انطباعية مبنية على اطلاع وتجربة شخصية، وعلى ما تقوله الدراسات الحديثة حول الحزن والفقد وطبيعة التأثر. فكرة اختلاف البرمجة التي ذكرها المتحدث صحيحة من حيث المبدأ. البشر فعلًا يختلفون في حساسياتهم. قد يتأثر شخص بدرجة اختبار بشكل كبير، ويتأثر آخر بخسارة مالية، ويتأثر ثالث بموقف اجتماعي. لكن هذا كله يبقى ضمن نطاق اختلاف الاستجابة، وليس ضمن قيمة الحدث نفسه. هذه نقطة أساسية يجب توضيحها للقارئ حتى لا تختلط الأمور. «فقد درجة الاختبار، وفقد المال، وخسارة الصداقات»، كلها أحداث قد تزعج وتؤثر في الإنسان، لكنها تظل في النهاية أحداثًا يمكن تعويضها أو تجاوزها أو إعادة بنائها. أما فقد الوالدين، ليس حدثًا من هذا النوع. الفقد هنا يمس الجذر العاطفي، وينتقل إلى مستوى أعمق بكثير من الأحداث اليومية. الوالدان ليسا علاقة عابرة ولا تجربة يمكن استبدالها، بل هما جزء من تكوين الإنسان نفسه، من ذاكرته، ومن إحساسه بالأمان والانتماء. لهذا من المهم أن يفهم الجمهور أن تأثر الإنسان لا يحدد قيمة الحدث. قد يتأثر شخص بدرجة اختبار أكثر مما يتأثر بفقد والديه، لكن هذا لا يجعل درجة الاختبار مساوية للفقد في وزنها النفسي أو الإنساني. الأثر الشخصي شيء، وقيمة الحدث شيء آخر تمامًا. الدراسات النفسية الحديثة تؤكد أن فقد الوالدين من أكثر التجارب تأثيرًا في حياة الإنسان. هذا التأثير قد لا يظهر دائمًا بشكل واضح، وقد يختلف في شدته من شخص لآخر، لكنه يظل تأثيرًا له عمق وامتداد طبيعي في النفس البشرية. بعض الناس يتماسك، وبعضهم يواصل العمل، وبعضهم يتخذ قرارات كبيرة بعد الفقد، وهذا كله لا ينفي وجود الحزن، بل يعني أن طريقة ظهوره قد تختلف. وهذا يتوافق مع كلام المتحدث نفسه حين قال إنه تأثر وحزن، لكن بدرجة أقل من تأثير درجة الاختبار عليه. المطلوب هنا ليس تقييم تجربته الشخصية، بل توضيح الفارق بين التجربة الفردية وبين المعنى العام الذي قد يفهمه الناس. الخطورة ليست في كلامه، بل في تفسير البعض له وكأنه دعوة إلى أن قلة التأثر معيار قوة، أو أن سرعة تجاوز الفقد نموذج يحتذى. بينما الحقيقة الإنسانية تقول إن لكل شخص طريقته، لكن الفقد له مكانته الثابتة التي لا تتغير. التجربة الفردية تحترم، وبرمجة كل شخص تحترم، لكن الفقد يبقى فقدًا. له ثقله، وله عمقه، وله أثره الذي لا يقارن بأي حدث يومي مهما كان مهمًا. المقارنة قد تربك الناس، وقد تدفع البعض للشك في أنفسهم وفي مشاعرهم، بينما هم يعيشون ما هو طبيعي تمامًا. القوة ليست في قلة الحزن، بل في الصدق مع الذات وفهم المشاعر واحترامها.