في اليوم الوطني ال95، تعود الذكرى لتُزهر في وجدان كل سعودي، فالوطن ليس مجرد أرض وحدود، بل هو قصة عزيمة وإرادة وإيمان. وفي هذا اليوم، تتوشّح المملكة العربية السعودية بحلل المجد، وترتدي من النور عباءة الشموخ، وكأن رمالها الذهبية، ونخيلها الباسقة، وسماءها الصافية، كلها تجتمع لتروي للأجيال ملحمةً بدأت منذ أكثر من تسعين عامًا، مع رجلٍ آمن بحلمه، وسعى إلى وحدته، حتى صار الحلم وطنًا والمستقبل أمة. ذلك الرجل هو الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه-، الذي دخل التاريخ من أوسع أبوابه.. كان قائدًا جسورًا، وصاحب رؤية ثاقبة، عرف أن التشتت لا يبني، وأن الوحدة هي السبيل إلى النهوض، فوضع ثقته في الله، وجمع القلوب قبل أن يجمع الأرض، فوحّد القبائل المتفرقة، وألف بين الصفوف المتباعدة، ليؤسس كيانًا عظيمًا، دولةً لها جذور راسخة في الأرض، وفروع باسقة في سماء المجد. ولم يكن تأسيس المملكة حدثًا عابرًا، بل كان ميلاد أمةٍ جديدة تحمل رسالة، وتكتب فصلًا مشرقًا في تاريخ الجزيرة العربية، ومنذ ذلك اليوم، حملت المملكة على عاتقها مسؤولية عظيمة: خدمة الحرمين الشريفين، ورعاية ضيوف الرحمن، فكانت مكةالمكرمة والمدينة المنورة نبض قلبها، وعنوان رسالتها، وموئل المسلمين من كل أصقاع الأرض.. توسعات الحرمين الشريفين، والمشروعات الخدمية التي لا تنقطع، شاهدة على عظمة الأمانة التي تحملتها هذه البلاد، وأدّتها بإخلاص ووفاء. ثم جاءت الأجيال من بعد المؤسس، لتواصل المسيرة، ويقودها ملوك عظام، كل واحد منهم يضيف لبنة في صرح النهضة: من الملك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله -رحمهم الله جميعًا- إلى خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي أطلق مع ولي عهده الأمين، الأمير محمد بن سلمان، مرحلة جديدة من التحولات الكبرى، مرحلة تُعرف اليوم برؤية 2030. تلك الرؤية ليست مجرد خطة اقتصادية، بل هي مشروع وطني شامل يرسم ملامح المستقبل، ويحوّل المملكة إلى مركز عالمي للتجارة والاستثمار، وحاضنة للإبداع والمعرفة، ووجهة للثقافة والفنون، ومنارة للحضارة الحديثة، إنها رؤية تبني الإنسان قبل العمران، وتستثمر في العقول قبل الثروات، لتصنع جيلاً يليق بمكانة المملكة وريادتها. ومن أبرز ما انبثق عن هذه الرؤية مشروعات كبرى، أعادت صياغة صورة المملكة أمام العالم: (NEOM)، مدينة المستقبل التي تتجاوز حدود الخيال، ومشروع القدية الذي يجعل من الترفيه صناعة كبرى، وموسم الرياض الذي يحول العاصمة إلى ملتقى عالمي للفنون والرياضة والثقافة.. وكلها شواهد على أن المملكة تدخل عصرًا جديدًا، لا يعرف المستحيل، بل يجعل من المستحيل بداية لطموح أكبر. ولم يقتصر التحول على العمران والاقتصاد، بل شمل المجتمع ذاته، فاليوم نرى المرأة السعودية وقد أصبحت شريكة حقيقية في التنمية، تقود سيارتها، تدخل الملاعب، تشارك في مواقع القرار، وتثبت للعالم أن ابنة هذا الوطن قادرة على العطاء والبناء جنبًا إلى جنب مع أخيها الرجل. إن اليوم الوطني ال95 ليس مجرد ذكرى للاحتفال، بل هو فرصة للتأمل في مسيرة وطنٍ صنعه الرجال العظام، وأكمله الأبناء الأوفياء، ويسير به القادة الحكماء نحو مستقبل أكثر إشراقًا. هو يوم للوفاء للماضي، والاعتزاز بالحاضر، والثقة في المستقبل. إنه يوم نرفع فيه شعارنا الخالد: «عزنا بطبعنا»، شعار يختصر رحلة أمة صنعت مجدها بقيمها الأصيلة وثوابتها الراسخة. وفي هذه المناسبة العزيزة، نرفع أكف الضراعة إلى الله أن يحفظ وطننا الغالي، وأن يديم عليه نعمة الأمن والأمان، وأن يوفق قيادتنا الرشيدة، خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده، الأمير محمد بن سلمان، لما فيه خير البلاد والعباد. عاشت المملكة العربية السعودية في عزها ومجدها، وعاش شعبها الوفي ملتفًا حول قيادته، صانعًا لمستقبله، وحارسًا لإرثه، ورافعًا رايته الخضراء عاليةً في سماء المجد أبد الدهر.