في ظل التطور الرقمي الهائل الذي يشهده العالم اليوم، أصبحت شبكة الإنترنت من أساسيات الحياة اليومية التي لا يمكن الاستغناء عنها. ومع انتشار خدمات الواي فاي في المنازل والمكاتب والأماكن العامة، ظهرت ظاهرة مشاركة أصحاب الشبكات كلمات المرور الخاصة بهم مع الآخرين، سواء بدافع المجاملة أو المساعدة. وبالرغم من أن الأمر قد يبدو بسيطًا، يؤكد الخبراء القانونيون أن فتح شبكة الجوال أو الواي فاي للغير قد يعرّض صاحبها للمساءلة القانونية، فضلاً عن ما ينطوي عليه من مخاطر أمنية ومالية جسيمة. يروي أبو خالد تجربته قائلاً: «كنت في أحد المقاهي مع مجموعة من الأصدقاء، وطلب مني أحدهم فتح شبكة الجوال له. وبعد مرور 15 دقيقة فقط، فوجئت برسالة تفيد بسحب 1000 ريال من حسابي البنكي. عندها نصحني أصدقائي بإغلاق الشبكة فورًا، إذ استغل أحد المحتالين هذه الثغرة للدخول إلى حسابي وتهكيره، ما اضطرني لإيقاف الحساب فورًا. ومنذ ذلك اليوم لم أعد أسمح لأي شخص باستخدام شبكتي». المخاطر القانونية يوضح المستشار القانوني عاصم محمد أن صاحب الاشتراك في خدمة الإنترنت يعد مسؤولًا مسؤولية مباشرة عن أي نشاط غير مشروع يتم عبر شبكته، حتى لو لم يكن هو الفاعل. وتشمل هذه الأنشطة: القرصنة الإلكترونية، نشر المواد المحظورة، الاحتيال عبر الشبكة، أو أي نشاط مخالف للأنظمة. وفي حال ارتكب شخص من الذين سمح لهم باستخدام الشبكة مخالفة، فإن الجهات المعنية تتعقب عنوان الIP المرتبط بالاشتراك وتحمّل المسؤولية لصاحبه باعتباره المسجّل الرسمي لدى مزوّد الخدمة. وقد يجد صاحب الشبكة نفسه أمام مساءلات قانونية تصل إلى الغرامات أو حتى العقوبات الجنائية، تبعًا لطبيعة المخالفة المرتكبة. الأبعاد الأمنية يشير مهندس الشبكات غالب عبد المجيد إلى أن الخطر لا يتوقف عند الجانب القانوني فقط، بل يمتد إلى الجانب الأمني. ففتح الشبكة للآخرين قد يتيح لهم الوصول بشكل غير مباشر إلى الأجهزة الأخرى المتصلة بها، ما يفتح المجال لمحاولات اختراق أو سرقة بيانات شخصية ومالية. كما يمكن استغلال هذه الثغرة لزرع برامج تجسس أو فيروسات، ما يجعل صاحب الشبكة عرضة لجرائم إلكترونية متعددة. ومع تزايد حوادث الاختراق الإلكتروني عالميًا، باتت هذه التهديدات أكثر واقعية وخطورة من أي وقت مضى. حلول وقائية: أنشئ شبكة ضيوف للزوار. استخدم كلمة مرور قوية ومعقدة. غيّر كلمة المرور بشكل دوري. فعّل التشفير (WPA2/WPA3). راقب الأجهزة المتصلة بالراوتر. حدّث برامج الحماية باستمرار. افصل الأجهزة الحساسة عن الشبكة العامة. الانعكاسات المالية أما من الناحية المالية، فيؤكد مهندس الشبكات جميل أحمد أن مشاركة الشبكة مع الآخرين تؤدي إلى استهلاك غير عادل لحزم البيانات. وقد يواجه صاحب الاشتراك ارتفاعًا غير متوقع في الفواتير الشهرية، أو انخفاضًا ملحوظًا في سرعة الاتصال نتيجة الضغط الزائد على الشبكة، وهو ما ينعكس سلبًا على استخدامه الشخصي أو المهني. التوعية والوقاية يرى خبراء التقنية أن الحد من هذه الظاهرة يتطلب رفع مستوى الوعي بخطورة مشاركة الشبكات الخاصة. ويشددون على ضرورة حماية الشبكات بكلمات مرور قوية وتغييرها بشكل دوري، مع تفعيل خاصية مراقبة الأجهزة المتصلة. كما أن «المجاملة» في هذا السياق قد تتحول إلى مسؤولية قانونية أو خسارة شخصية كبيرة. لذلك يُنصح بعدم منح كلمة المرور إلا لأفراد الأسرة أو أشخاص موثوقين، والابتعاد عن المشاركة العشوائية. ويشير الخبراء إلى أن البعض قد ينظر لفتح الشبكة للغير باعتباره تصرفًا كريمًا أو تعاونيًا، لكن الحقيقة أن الأمر يخفي وراءه مخاطر قانونية وأمنية ومالية جسيمة. فالمستخدم يظل مسؤولًا أمام القانون عن كل ما يحدث عبر شبكته، وهو ما يفرض التعامل مع هذه المسألة بجدية وحذر. وفي عالم أصبحت فيه البيانات توازي الذهب في قيمتها، فإن الحفاظ على أمن الشبكات الخاصة يعد واجبًا لا يحتمل التهاون.