العنقري يشارك في اجتماع مجلس إدارة المعهد الدولي للمراجعين الداخليين في السلفادور    افتتاح مقبرة فرعونية بعد 226 عاما    تحديث أنظمة Windows 11    منع سلاف فواخرجي يجدد الجدل    شكرا إنزاغي.. الهلال لا يصلح لك    غفوة سائق تقتل 4 ركاب    إعادة تصميم وخياطة البخنق الحساوي يدويا    شاهين فرخ    «الخوص».. حرفة متجذرة في تاريخ المملكة    خطيب المسجد الحرام: تجديد الإيمان يزكّي النفوس    إمام المسجد النبوي: الأتقياء يفرحون بالنِّعم شُكراً وذِكراً    توابل شهيرة تقلل فعالية الأدوية    فريق"كريستوفرسون"يفوز بالسباق الأول من بطولة"ديزرت إكس" في القدية    عبدالعزيز بن سعود: معرض الصقور منصة عالمية لصون الموروث    الرياض.. وجه آخر للثقافة    "كتاب الرياض": انطلاق التصفيات النهائية لمسابقة مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي    السعودية ومشاعر البهجة    ابن عيّاف يطلق برنامج «تحوّل الرياض البلدي»    الأخضر يرفع استعداده لمواجهة إندونيسيا في ملحق المونديال    أمير القصيم يتفقد مستشفى الملك سلمان    "التخصصي" المدينة ينجح في زراعة الخلايا الجذعية    أنت الأفضل    القبض على (3) إثيوبيين لتهريبهم (280) كجم "قات" في جازان    5 أيام للاحتفاء بالمعلم في المدارس    وزير الأوقاف السوري ينوه بجهود المملكة في خدمة القرآن الكريم    دور ريادي سعودي في دعم الجهود الصحية الخليجية    نتنياهو: سنستعيد كل الرهائن وسنبقى في عمق غزة    ترحيل 11544 مخالفا خلال أسبوع    مقتل شخصين وإصابة 5 في إطلاق نار بمدينة نيس الفرنسية    يوم المعلم وجهود المملكة العربية السعودية في تطوير التعليم في ضوء رؤية 2030    بلدية ضرية تحتفي باليوم الوطني 95 بفعاليات وطنية منوعة    حرفية سعودية تخطف الأنظار في روما.. "ضحى أخضر" تنسج بروح الوطن إبداعًا عالميًا    أرماح الرياضية تشارك في الشهر العالمي للزهايمر دعمًا للتوعية المجتمعية    أليجري لا يفكر في الانتقام من ناديه السابق يوفنتوس    419 شخصا الحصيلة الأسبوعية لمخالفي نشاط نقل الركاب    قدوس يقود توتنهام للمركز الثاني في الدوري الإنجليزي    تدشين مشروع بصيرة ب 150 عملية مياه بيضاء في صبيا    الدكتورة نوف الفوزان تشارك بكتاب "التلمذة" في معرض الرياض الدولي للكتاب    900 شركة ناشئة من 70 دولة حول العالم في بيبان 2025    استشهاد تسعة فلسطينيين في غزة    Arabian Heritage Motors تطلق تجربة قيادة حصرية لسيارة EXEED RX PHEV في الرياض    كارينيو: الهلال يمكنه اللعب في أقوى دوريات العالم    أمطار غزيرة وجريان سيول على 4 مناطق اليوم    من المؤثر الحقيقي    ابدأ يومك بهذه الكلمات    العمل رسالة وأمانة    قواعد بسيطة تحمي قلبك    اللجنة المنظمة لدورة ألعاب التضامن الإسلامي – الرياض 2025 تطلق شعار "أمة واحدة"    اختتام دورة المدربين لكرة القدم المصغرة بالمنطقة الشرقية وسط حضور لافت    377 ألف مولود سعودي في عام    التحالف الدفاعي الإستراتيجي السعودي الباكستاني        ترمب يطلب من إسرائيل التوقف «فورا» عن قصف غزة    ملتقى الصم الصحي": مشاركة واسعة وجهود تكاملية لخدمة فئة الصم    معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2025 يقدّم "السفاري"    أمير جازان ونائبه يطمئنان على صحة الشيخ العامري    سفاري جديد معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2025    أمراء ومسؤولون يقدمون التعازي والمواساة في وفاة الأميرة عبطا بنت عبدالعزيز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشاهير .. قنابل ناعمة تفتك بقيمنا وثقافتنا
نشر في الوطن يوم 20 - 08 - 2025

لم يكن المشهد الإعلامي قبل عقدين يتخيّل أن يصبح «المشهور» شخصًا يملك شهرة بلا مضمون، لا يحمل شهادة متخصّصة، ولا إنجازًا علميًّا، ولا حتى موهبة فنية أو رياضية، بل مجرد صاحب لايف «كبسوا لا عدمتكم»، أو مقاطع قصيرة تافهة يلتقطها بهاتفه، ويضع عليها مؤثرات وأغنيات، فيحصد مئات الآلاف من المشاهدات والمتابعين. لقد أفرزت منصات مثل سناب شات وتيك توك نمطًا جديدًا من النجومية السريعة، لا يقوم على الإبداع أو القيمة، بل على إثارة الفضول، وكسر المألوف، وجذب الانتباه بكل وسيلة ممكنة، مهما كانت رخيصة أو مضرّة.
فالشّهرة – في معناها النبيل – لا تُمنح لمن يلوّح بكوب قهوة أمام الكاميرا أو يلتقط عشرات المقاطع وهو يغيّر ملابسه خمس مرات في اليوم. الشهرة الحقيقية يستحقها من قدّم علمًا ينفع الناس، أو أبدع فنًّا يسمو بالذائقة، أو خدم وطنه في الميدان. يستحقها المعلّم الذي يزرع القيم في طلابه، والطبيب الذي يسهر على إنقاذ الأرواح، والعالم الذي يفتح آفاق المعرفة، لا من يفتح فمه على مصراعيه ليلتهم «برغر» أمام الملايين وكأنه اكتشف سرّ الحياة. للأسف، صار بعض مشاهير سناب وتيك توك يثبتون يومًا بعد يوم أن الحصول على ملايين المتابعين لا يحتاج إلى فكر ولا موهبة، بل يكفي أن تتقن فن إضاعة وقت الآخرين بمهارة عالية!
إنها صناعة التفاهة! بوصفها سلعة رائجة، ذلك ما تؤكده الدراسات الحديثة في علم الاجتماع الإعلامي – مثل دراسة (Anderson et al., 2022) – التي توضّح أن المحتوى القصير المتكرر والمشحون بالإبهار البصري والموسيقي يعيد تشكيل دوائر المكافأة في الدماغ، فيجعل المشاهد أسير البحث عن المتعة الفورية، ويضعف قدرته على التفكير النقدي أو الصبر على المحتوى العميق. هنا، يبرز دور مشاهير سناب وتيك توك الذين حوّلوا وبدون قصد التفاهة إلى صناعة مدرّة للأرباح، ثم فُهمت اللعبة! وكبرت كرة الثلج التافهة. حيث تُباع الإعلانات بأسعار خيالية، وتُستثمر الجماهيرية في الترويج لمنتجات أو أفكار لا تخضع لأي معايير جودة أو مسؤولية اجتماعية.
فالحذر من ضرب الهوية في مقتل، فالخطورة لا تتوقف عند المحتوى السطحي، بل تمتد إلى تطبيع أنماط حياة دخيلة على مجتمعنا. أزياء غريبة، لغة هجينة بين العربية والإنجليزية، استعراض مبالغ فيه للسفر والممتلكات، وصل حتى الجسد! لتعكس سلوكيات تفتقر للحياء والاتزان. دراسة صادرة عن اليونسكو (2020) حذّرت بوضوح من أن وسائل التواصل قد تتحوّل إلى أدوات طمس للهوية الثقافية إذا غاب عنها المحتوى المحلي الأصيل. وفي دراسة ميدانية لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني (2021)، أقرّ 71% من أولياء الأمور أن أبناءهم باتوا يقلّدون مشاهير السوشيال ميديا في اللباس والكلام والتصرفات، حتى لو كانت مخالفة للقيم والتقاليد.
كل ذلك يُفرز لنا آثارا نفسية واجتماعية متراكمة، وهذا تقرير لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (2022) أظهر أن المراهقين الذين يقضون أكثر من ساعتين يوميًا على هذه المنصات، يعانون من ارتفاع مستويات القلق، وضعف الرضا عن الذات، وتراجع مهارات التواصل الواقعية. هذه الأعراض ليست مؤقتة، بل قد تتطور إلى اضطرابات سلوكية وفكرية تجعل الشباب فريسة سهلة للأفكار المتطرفة أو السلوكيات الخطرة.
وفي السياق ذاته، لا يخلو المشهد من حسابات تتعمد السخرية من الأشخاص أو المهن أو الفئات الاجتماعية، أو تثير الجدل بمواضيع تمسّ الدين أو الذوق العام أو النظام، وتقدمها في قالب كوميدي لتقليل وقعها على المتلقي. وهنا يؤكد عالم الاجتماع نيل بوستمان أن «الثقافة التي تضحك على كل شيء، تفقد القدرة على أخذ أي شيء على محمل الجد»، وهو ما نراه جليًّا في محتوى بعض هؤلاء المشاهير.
ترك هذه الظاهرة دون ضوابط هو بمثابة تسليم الوعي المجتمعي لثقافة التفاهة. ومن هنا، فإننا نناشد:
وزارة الإعلام، بوضع لائحة عقوبات رادعة لتجاوزات المحتوى المنشور على هذه المنصات، ومحاسبة من يتجاوز القيم الأخلاقية والاجتماعية، والتشهير بهم ومنعهم من التواجد على المنصات الرقمية.
ووزارة التعليم، بإدراج التربية الإعلامية والنقد الرقمي ضمن المناهج، حتى يتعلم الطلاب كيف يقيّمون المحتوى ويميزون بين النافع والضار.
وهيئة الإعلام المرئي والمسموع، بإلزام المؤثرين بالحصول على تراخيص تقيّد المحتوى وفق الهوية السعودية، وتحترم خصوصياتنا المجتمعية، وتفرض عليهم مسؤولية قانونية.
والأسر والمجتمع، بتعزيز الرقابة الواعية، وفتح حوار صريح مع الأبناء حول ما يشاهدونه ويؤثر فيهم.
المسألة لم تعد خيارًا بين المنع أو السماح، بل معركة وعي، ومسؤولية جيل بأكمله، لأن ما يُبث اليوم في مقاطع مدتها ثوانٍ قد يحتاج المجتمع عقودًا لإصلاح أثره.
إذا لم نتعامل مع مشاهير " سناب شات وتيك توك" بوصفهم فاعلين حقيقيين في تشكيل القيم والسلوكيات، ونضع لهم الحدود، فإننا نخاطر بأن نصبح مجتمعًا بلا بوصلة، تائهًا في دوامة من الضحك المصطنع، وأسيرًا «لكبسوا يا بعد راسي»، بعيدًا عن أي مشروع حضاري أو أخلاقي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.