لا يطرح موضوع في الإدارة أو عنها حتى نستحضر كتاب الدكتور غازي القصيبي (حياة في الإدارة)، ولست بصدد الكتابة عما ذكره القصيبي في كتابه، ولكن استشهد برقي الوعي الإداري لدى بعض المسؤولين وتدنيه لدى فئة أخرى تمارسه من مبدأ السيطرة والتحكم في الكوادر الوظيفية التي تعمل تحت إدارتها. القصيبي طرح العديد من الأفكار الجوهرية التي تحسن من جودة العمل الإداري، وتكون معينة للقائد بحيث يستطيع قيادة السفينة بمهارة واتزان لا يحيد عنها، فيغرق في الكثير من الإجراءات والممارسات التي تقوض علاقته بمن يعملون معه وتضعف إنتاجية إدارته. في ميدان العمل الإداري هناك مفاهيم مغلوطة نلاحظها لدى بعض القادة، وهي أن القيادة تعني التملك والاستحواذ على من هم تحت إدارته، بحيث لا يحق لأحد منهم أن يبدي رأيا أو يعترض على قرار، أو حتى يحظى بفرصة لمناقشة مديره، فيما يعترضه من مشاكل وما لديه من حلول يرى أنها قد تساعد في تنفيذ مهامه بكفاءة عالية. وسياسة هؤلاء القادة في التعامل هي مراقبة ولاء الموظفين لهم، فمن يظهر الود المبالغ فيه والمديح الممجوج الذي يكال له في الصواب والخطأ هو المقرب والمميز، والذي يحظى بالفرص والمكافآت، سواء أكانت مادية أو معنوية، وأيضا الجدير بثقة المدير والمؤتمن في رصد ما يقال أو يفعل داخل الإدارة، وغيره ممن ينظر إلى بيئة العمل على أنها تشاركية بين القائد وموظفيه، وأن احترام القائد لا يهتز حال أبدى الموظف رأيه بصراحة، وفي حدود الأدب بعيدا عن التجريح أو الإساءة يكون تحت المجهر يترصد لهفواته، بل وإن لم يمسك ضده ممسكا، حيكت الخطط لإيقاعه في مخالفة أو إطلاق الإشاعات ضده في الداخل والخارج، وأنه يحدث المشاكل ويقوض العلاقة بين إدارته والمراجعين الذين يتطلب منه التعامل معهم بشكل مباشر لمساعدتهم في إنجاز مصالحهم. وبطبيعة الحال لا يغلب هؤلاء في إيجاد الوسائل التي تعينهم في ذلك الأمر، بل إن الصلاحيات الممنوحة لهم والتي في أغلب الأحيان لا تراجع مبررات ونظامية استخدامها في حق الموظفين، أعطت الفرصة للمدير بحيث يلصق بالموظف ما يشاء من التهم بدءا من الإهمال وانتهاء برصد جهات رقابية خارجية مخالفات كبيرة ضده. والمدير هنا يعلم أن الزج بجهات رقابية في الموضوع سيرهب الموظف ويجعله يتراجع عن المطالبة بحقه في معرفة مواطن التقصير في عمله والمخالفات التي يقال إنه ارتكبها، وهنا المصيبة لأن البعض من هؤلاء ووسط غياب الجهة المتابعة لما يتخذ من إجراءات بحق الموظفين ومدى نظاميتها، تفتح المجال رحبا أمامهم لفعل ما يرغبون، مستمدين القوة من تلك الصلاحيات. لا نختلف أن هناك قواعد وأسس بل وسلوكيات سنت لكيفية التعامل في بيئات العمل سواء أكانت بين المدير والموظف أو بين الموظف وزملائه، ولكن هناك من لا يراعي تلك القواعد وينطلق في تعامله من خلفيات شخصية تحتكم، ربما إلى عرق أو معتقد أو عرف، وهذي وغيرها من التصنيفات نعتقد أننا تجاوزناها، ولكن مع الأسف هناك من لا زالت تتحكم في تعامله مع المختلف عنه وبطريقة ملفتة. قبل فترة وجيزة صدر نظام عدم التمييز في بيئة العمل والذي يهدف إلى المساواة في العمل والفرص لجميع العاملين، بغض النظر عن أي اختلافات شخصية سواء أكانت في العرق أو الدين أو الجنس والإعاقة، وهذا النظام كما نص عليه بيان التوضيح يسعى لخلق بيئة عمل عادلة. البيان أسعد كل من ينشد العدالة الوظيفة والأكيد لم يرق لمن يحرص على ألا تكون تلك العدالة حتى يحقق مزيدا من المكاسب والولاءات. ما نتمناه وجود متابعة دقيقة لتنفيذ بنوده بالنص وألا يترك الخيار في التطبيق لا لمدير ولا لدائرة وظيفية.