محادثات سلام باكستانية - أفغانية في الدوحة    كينيا تودع أودينغا    الهلال يقسو على الاتفاق بخماسية في دوري روشن للمحترفين    المسحل: فوز الاتحاد السعودي يعكس قيمة المملكة كروياً على مستوى القارة    يايسله يتجاهل أخطاء العثرات    الحزم يحقّق فوزه الأول في دوري روشن للمحترفين على حساب الأخدود    جوارديولا يرغب في رؤية لاعبين آخرين يسجلون للمان سيتي بجانب هالاند    العالمي يضرب الخمسة    ضبط 23094 مخالفًا للإقامة والعمل وأمن الحدود    "مجمع الملك سلمان" يشارك في معرض "فرانكفورت الدولي للكتاب"    موسم الدرعية 26/25 ينطلق تحت شعار «عزّك وملفاك»    أكثر من 13 مليون قاصد للحرمين الشريفين خلال أسبوع    نسيان وجبة الغداء يفتح الشهية    تأهل باهبري إلى نهائيات نجوم العلوم    69 إجمالي الطائرات الإغاثية السعودية لغزة    الشهري: الخطأ أمام الهلال ممنوع    المملكة تتصدر المشهد العالمي في التعليم المفتوح    مسجد ال4 قرون يدخل مرحلة التطوير    الجدعان: نضع اللمسات الأخيرة على استثمارات كثيرة في سوريا    القبض على مواطن في جازان لترويجه (45) كجم "حشيش"    1507 حالات ضبط بالمنافذ    علماء الأمة في المدينة لتوثيق سيرة الشيخ بن صالح    أمير المدينة والنَّهضة الاقتصاديَّة    إذا لم يدعك أصدقاؤك إلى الإفطار تغافل عنهم    أمير منطقة جازان يطمئن على صحة الأديب إبراهيم مفتاح    أمير جازان يطمئن على صحة الأديب إبراهيم مفتاح    جمعية الإعاقة السمعية بجازان تنفذ ورش عمل تدريبية لفئة الصم بالتعاون مع بنك التنمية الاجتماعية    إتلاف أكثر من 69 ألف منتج فاسد في جدة    سوريا: تفكيك خلية إرهابية في ريف دمشق    لائحة لإنشاء الأوقاف وتمويلها عبر التبرعات    انتهاء عهد بوستيكوجلو مع نوتينغهام فورست بعد كابوس دام 39 يوما    التحالف الإسلامي يطلق المبادرة العسكرية "كفاءة" في الغابون    الهلال الأحمر بالقصيم ينقل مصاباً بالسكتة الدماغية إلى مستشفى بريدة المركزي عبر طائرة الإسعاف الجوي    الرضّع حديثو الولادة يتجاوبون مع اللغات الأجنبية    جمعية مرفأ للخدمات الأسرية تنظم "العيادة المجانية" للاستشارات النفسية والأسرية والقانونية بالتعاون مع شركة إثراء البينة وبيت الثقافة    هيئة الطرق توضح نظام ترقيم أنواع الطرق في المملكة    د. السليمان يدعو إلى رفع نسبة توطين "المختبرات الطبية" إلى 90%    تجمع الرياض الصحي الأول يواصل قوافله الطبية بوادي الدواسر    موسم جدة 2025 يطلق موجة الرعب والتشويق هورور كون    مسؤول أممي: الوضع الإنساني في غزة كارثي    المركزي الروسي يرفع سعر صرف الدولار إلى 80.98 روبلًا    الشؤون الإسلامية بجازان تنظم محاضرة نسائية بقرية المدرك بعنوان «خطورة هجران القرآن الكريم» مساء اليوم    تُعلن شركة معاهد طيبة العالية للتدريب عن استحواذها على أكاديمية "إلسو" لتعليم اللغة الإنجليزية (ELSO)    عمادة الدراسات العليا والبحوث تطلق برنامج "التمكين البحثي المتقدم" لتعزيز جودة البحث العلمي    البركة الخيرية" تخدم أكثر من 38 ألف مستفيد خلال الربع الثالث 2025    أمانة الطائف تطرح حديقة الملك فيصل للاستثمار    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    أكتوبر يجمع نجوم الصيف والشتاء في سماء عرعر    خطيب المسجد الحرام: العبد الموفق يعيش في خير لم يسأله ونعيم لم يتوقعه    سخاء المدني أول سعودية متخصصة في طب الفضاء والطيران    د. عبدالحق عزوزي يترجم القرآن إلى اللغة الفرنسية    هل استقام ظل لسلام الشرق الأوسط    أمير منطقة جازان يطمئن على صحة الشيخ العامري    أمير القصيم يرعى حفل تخريج 167 حافظًا لكتاب الله    رئيس أمن الدولة يهنئ القيادة بمناسبة تأهل المنتخب لكأس العالم 2026    العمري يبحث احتياجات أهالي صامطة    أمير مكة: مشروع بوابة الملك سلمان يعكس اهتمام القيادة بالتنمية في المنطقة    أمير تبوك يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة تأهل المنتخب لكأس العالم 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لأول مرة أركب السيارة
نشر في الوطن يوم 18 - 04 - 2019

بعد ثلاثة أيام من وصول تلك السيارة، غادرنا قرية بطحان على متنها قاصدين الطائف، ركب معنا رجال يقارب عددهم العشرين، كلٌّ يجلس القرفصاء بجانب الآخر، وبعضهم يتشاجرون من أجل إفساح المكان، تحركت السيارة وأحسست أن كياني كله انهدم، وشعرت بأنني سأقع على الأرض، تشرب وجهي بالحمرة، وحملقت ومددت يديّ أمسك بهما ابن عمي، فنظر إليّ مستغربا فقلت:
«باطيح... باطيح» وضحك في وجهي وقال: «لا تخف»، ثم بدأ يرد يديّ إلى حجري بتمهل إلى أن اطمأننت.
قطعنا المسافة بين بطحان والطائف في ثلاثة أيام وليلتين، كما أذكر، كلما نزلنا وجلسنا أطيل النظر إلى السائق، كيف يستطيع هذا الرجل قيادة «السيارة»؟. كيف يستطيع تحريكها وهي بهذا الحجم الكبير؟ يداه ورجلاه وجسمه مثل الآخرين، لا بد أنه يمتلك قدرة لا يتمتع بها غيره.
أشرفنا على الطائف مع الأصيل، الشمس ترسل خيوطها الذهبية أحيانا على وجوهنا، وأحيانا تكون على يسارنا، دنا الليل وشعرت بالملل، سيارتنا تصعد تارة وتهبط تارة وتميل أحيانا، لدرجة أني أخاف أن تنقلب، بدا نور يتوهج من بعيد.. بعيد!! إنه ما يزال بعيدا، وذبت في ذاك النور، كان المنظر رهيبا، بعد طول انتظار دلفنا إلى الطائف، بيوت كثيرة.. على بعض الزوايا والحنايا والمواقع، يترفع مصباح صغير على شكل كرة، ما هذا؟
ويقطع ابن عمي علي تفكيري فيومئ بيده ويقول «تلك كهربة، الكهربة لا أحد يلمسها، إنها تنزع الروح. لا تلعب بالكهربة، بل لا تقترب منها»، رسخت تعليماته في عقلي حتى إني إلى اليوم لا أقترب من الكهرباء، ولا ألمس أي أداة كهربائية عندما تخرب أو تتعطل، بل أتركها حتى يأتي من يصلحها.
قضينا ليلتنا في أحد البيوت المعدة لاستقبال المسافرين، كانت ليلة طويلة بالنسبة لي، ظلامها دامس، أحلامها كوابيس، والنوم متقطع، وسمعت أذان الصبح يتردد عاليا وهو جميل. جميل جدا، من مسجد الصحابي الجليل عبدالله بن عباس، رضي الله عنه.
بعد شروق الشمس خرجنا إلى الشارع، وشاهدت مآذن مسجد ابن عباس وخلتها تلامس السماء. كانت جولة كل ما فيها مدهش وغريب وجديد. ذهبنا إلى مقهى تسمى «قهوة عطية» يقدمون فيها الشاي والقهوة، كل شيء بقيمة.. وللمرة الأولى في حياتي أرى أحدا يشتري أو يبيع الماء.
الطريق من الطائف إلى مكة ترابي، وعلى الطريق يقع وادي الزيما الذي يكثر فيه الموز ذو الرائحة الزكية والطعم اللذيذ، وتنحدر إليه المياه من الجبل.
أقبلنا على مكة المكرمة بعد المغرب. نرى نورا ولا نرى عمرانا ولا بشرا، وهل تدرون لماذا هذا الوقت الطويل؟ إنه بسبب وعورة الطريق وبطء حركة السيارة، رغم إحساسنا أنها تسير بسرعة فائقة، وبعد العشاء وصلنا إلى العاصمة المقدسة. عبرت بنا السيارة طرقات واسعة والمتاجر على جانبي الطريق.
بهرتني مكة بأضوائها وشوارعها ومتاجرها وناسها، ذهلت لرؤية ملابس الناس فهي مختلفة تماما، يلبس الناس ثيابا بيضاء ناصعة، ويتمنطقون بلفات قماش أغلبها مزركشة بالألوان، خاصة اللون الذهبي، وتكسو رؤوس بعضهم عمائم ذهبية، ولكن كثير منهم تغطي رؤوسهم كوفية «طاقية» هرمية بيضاء تغطي أعلى الرأس فقط، لفت نظري أن جميعهم يلبسون أحذية إلا ما ندر، وفجأة توقفت السيارة، وأمرونا بالنزول، وأسمع ابن عمي يقول لي هذا هو «المدعي»، وتجتاح جسمي رياح باردة أتوارى منها إلى جوار جدار، والناس يفرغون أمتعتهم وبضائعهم من السيارة، ولا أذكر أين وضع ابن عمي ورفاقه أمتعتهم؟ وعند من؟ ولكني أذكر أننا تركنا السيارة ومشينا في طرقات أضيق فأضيق، وقالي لي ابن عمي:
«مثل هذا الطريق الضيق يسمونه في مكة «زقاقا» والطريق الواسع يدعونه «شارعا» هل فهمت؟». وأجد نفسي في الظلام أهز رأسي بالإيجاب، وندخل في زقاق مظلم وفي آخره طرقنا بابا، خرج إلينا منه رجل سحنته توحي أنه من قريتنا، ورحب «وسهل»، وأفاض وزاد في الترحيب، وعرفت فيما بعد أنه واحد من جيراننا، إنه صالح ابن مسفر أبوعلامة -رحمه الله- وكان معه فيما أذكر ثلاثة رجال آخرين.
وضعوا لنا طعاما، أكلت منه والنوم يملأ عيني، وبعد الأكل وعند النوم كانت المفاجأة: أخذني ابن عمي في هدوء إلى ركن بعيد عن الغرفة الوحيدة التي يطبخون ويجلسون وينامون فيها هم وضيوفهم، وهي مفتوحة على ساحة مكشوفة، وقال لي هذا الباب الذي أمامك باب بيت الماء، وهو حيث تقضي حاجتك إذا رغبت!!، وبعض الناس في مكة يسمونه الطهارة، وبعضهم يسمونه الحمام، وفتح الباب وأشار إلى إبريق الماء الذي لا بد وأن أحرص على ملئه قبل أن أدخل الحمام، حملقت فيه متسائلا، وعرف ما أعني حيث قال لي: «هنا في مكة يقضون حاجتهم في بيت الماء، وكل منزل فيه بيت ماء، والمهم هو النظافة، لا تخرج إلا وأنت نظيف، وبيت الماء من بعد نظيف».
في الصباح استيقظت على أصواتهم عائدون من أداء صلاة الفجر في المسجد الحرام، انقبضت نفسي لأني وددت لو ذهبت معهم. بعد الإفطار خرجوا جميعا وعادوا بعد الظهر.
ذهبنا جميعا لصلاة العصر في الحرم الشريف، رواقات طويلة وساحة واسعة جدا، يتوسطها بناء عال تجلله كسوة سوداء. أخبرني ابن عمي أنها الكعبة، وبعد الصلاة طفنا سبعا حول الكعبة.
*هروب إلى النجاح
* صدر عام 1431


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.