من يتابع كيف تُدير السعودية موسم الحج كل عام، يدرك أن ما يجري ليس موسمًا عابرًا، بل أعظم تمرين بشري على الانضباط والتنظيم والخدمة، لكن، ما يثير الاستفهامات، أننا رغم ذلك، نحن أمام حقيقة لا ننكرها، وهي أننا لم نحقق النجاح المأمول في أن نُترجمها كما يجب في سماء الإعلام..!! الإشكالية أننا ننجز كثيرًا، ونروي قليلاً، فكل عام، تُحسن بلادنا إدارة الحشود، وتُبهر المراقبين في الخدمات، وتُثبت أن الحج، رغم تعقيداته، يُدار بإيقاع سعودي محترف، لكن أين الإعلام من كل ذلك؟ ما زلنا، وللأسف، نُعالج مشهدًا استثنائيًا بلقطات تقليدية، وقوالب موسمية، وقصص تعاد كل عام: حاج يبكي، طفل تائه، متطوع يوزع ماء، جميعها مشاهد نبيلة، ولكنها لا توازي حجم الرواية التي يجب أن تُقال! فلو تطرقنا لتجارب عالمية تحظى بمتابعة إعلامية كبيرة رغم أنها لا تقارن مطلقا بتجربة الحج وارتباط المسلمين فيه، نجد أن على سبيل المثال في دول تتحول كرنفالاتهم ومهرجاناتهم الوطنية والسنوية إلى أفلام تبقى بالمشهد الإعلامي العالمي، أما نحن -وهذه حقيقة يجب ان لا نغفلها-، نجد أنفسنا أمام موسم الحج الذي يجمع أكثر من مليوني إنسان من 180 جنسية، و1.5 مليار مسلم يتابعونه، نكرر إعلامياً إنتاج المحتوى الذي لا يتجاوز حدودنا، ونُخاطب أنفسنا أكثر مما نخاطب العالم، وتتسابق الجهات الحكومية والخاصة لمخاطبة الداخل بطريقة تنافسية أحيانا لا تخدمنا للأسف، فتحولنا لتغطيات إعلامية بالغة بالمحلية، وكأننا نحكي لأنفسنا نفس القصص وبتكرار مبالغ فيه، دون إبداع إعلامي يتجاوز الحدود..!! فخلال موسم حج 1446ه لهذا العام نجد أن الأرقام الإعلامية تُبهر بالفعل، حسب ما أعلنه مؤخراً معالي وزير الإعلام، كون هذا الموسم يحظى بمشاركة أكثر من (5) آلاف إعلامي محلي ودولي، وتم تسخير (25) عربة نقل و(28) منصة بث وأكثر من (120) كاميرا بواقع (12) لغة لإنتاج (300) تقرير ميداني و(7) برامج تلفزيونية و(44) إذاعيًا لنقل أجواء الحج للعالم. لكن بمجال الإعلام الأرقام في أحيان كثيرة لا تكفي، إن لم تُروَ بلغة يفهمها العالم، وتُروّج بعقلية غير تقليدية، فنحن نحتاج ما هو أبعد من التغطية.. نحتاج إلى صناعة سردية، تجعلنا نفكر خارج الصندوق. لذلك نتساءل: لماذا لا تكون هناك مسابقة إعلامية دولية سنوية عن الحج؟ مسابقة مفتوحة للإعلاميين والمخرجين وصناع الأفلام من مختلف دول العالم، يُدعون لتوثيق الحج من زواياهم الخاصة، وتُمنح فيها جوائز لأفضل: تغطية إخبارية دولية، لأفضل فيلم وثائقي قصير عن قصة إنسانية في الحج، لأفضل فيلم طويل يعالج أبعادًا اجتماعية أو روحانية عن هذه الرحلة، لأفضل إنتاج رقمي مبتكر على المنصات الاجتماعية. بهذه الفكرة، والتي تحتاج لتعاون وتكاتف ما بين وزارة الاعلام ووزارة الثقافة من جهة ومن جهة ثانية وزارتا الحج والسياحة، ستكون لنا فرصة عظيمة وخلابة لنفتح باب الحج أمام عدسات العالم وعيونهم وإبداعهم، ونصنع محتوىً يعكس رؤيتهم للحج، ويُخرج القصة من حيز الرسائل الرسمية إلى ساحة الإبداع الحر. فالحج ليس مجرد موسم ديني، هو رسالتنا للعالم، عناوينها، إدارتنا للتنوع، وخدمتنا للإنسانية، وهكذا نُعيد تعريف معنى التنظيم، لا بد ألا نكون تقليدين بانتظار رواية الآخرين عن جهودنا، لا بد أن ندير المشهد بذكاء ونحكي نحن القصة، ولكن بلسان ذكي، وعدسة عالمية، وصوت لا يُنسى. نقلا عن الرياض