أمس الأول، كتب الزميل خلف الحربي بمنتهى الحزن عن أربع مدن عربية؛ أصبح نشاطها محصوراً في تشييع الجنائز بعد أن كانت هي كل الثقافة والسهر وأحلى حكايات المغرمين بالحياة، ويقارن بين حالها في الزمن الجميل وحالها هذه الأيام، ويا قرة عيني يا خلف. كل المدن التي ذكرتها ساهمت في صناعة الألوان والقصائد، وكان أهلها من أطيب الناس وأعلاهم ثقافة وآدمية، وحينما مر بها الطغاة أفسدوها، وجعلوا أعزة أهلها أذلة، وسيفعلون ما هو أقبح؛ إذ لا يبدو أن ثمة مدينة عربية ستبقى دون حزام ناسف، أو قنبلة، أو فرد خرطوش في وقتنا العصيب هذا. بالخطأ المقصود مر بول بريمر ببغداد فتحولت إلى عاصمة لا تفرق فيها بين الدستور والبرسيم، وبين من هو مع الله و من هو مع الشيطان وما أكثرهم الآن؛ ثم سُلمت للمتعهد الجديد نوري المالكي ليجهز على ما تبقى، وليحولها إلى مستودع لكل رصاصة تبحث عن زبون. بيروت تنقلت بين أيدي قبضايات الغفلة حتى وصلت أخيراً إلى ميشال عون وحسن نصر الله؛ وخلال تنقلاتها هرب عصر فيروز والرحابنة كاملاً وتوحشت صخرة الروشة، ولم ينج من ( مكاتيب) الغرام إلا كوابيس بيروت لغادة السمان؛ حتى بلقيس نزار ماتت هناك. أما ما تراه اليوم في القاهرة يا قرة العين؛ فهو نتاج سنة واحدة فقط من لسع الدبابير، وربما لو طالت المدة المباركة لكانت الفاجعة أكبر؛ فقدرنا كما يبدو أن نعيش في الزمن الخطأ، وأن نشاهد أقبح الرجال وهم ينحرون أجمل المدن العربية من الوريد إلى الوريد. تخيلوا لو كانت بغداد هذه الأيام دون مالكي، ودمشق دون بشار، وبيروت دون مقاومين، والقاهرة دون دبابير بعد ثورتها؛ فهل كان الوضع سيتغير كثيراً؟ لا تتفاءلوا؛ أخشى أن يكون حجم العطب الذي سنستفيق عليه يوماً أعمق من الطغاة!