قفزات استثنائية للرؤية السعودية (1 4)    351 مليار ريال تمويلات للمنشآت الصغيرة    هيئة المياه تحذّر المنشآت من تصريف الدهون في الصرف    " كندا" تدرب موظفيها على حرب الإوز    هجوم على الفاشر ومجزرة في أم درمان وضربات للبنية التحتية.. الجيش السوداني يُحبط خطة شاملة لميليشيا الدعم السريع    2,180 عائلة في القطاع أبادهم الاحتلال ومسحهم من السجلات    وزير الخارجية يبحث العلاقات الثنائية مع نائب رئيس فلسطين    وزير الخارجية يصل قطر في زيارة رسمية    المرور: تجاوز المركبات أبرز أسباب الحوادث المرورية    مجلس الوزراء يوافق على تعديل نظام رسوم الأراضي البيضاء    إحالة مواطن إلى "النيابة العامة" لترويجه "الحشيش    العُلا تطلق برنامجها "صيف لم يُروى"    حوار في ممرات الجامعة    هند الخطابي ورؤى الريمي.. إنجاز علمي لافت    الاحمدي يكتب.. الهلال سيعود ليُعانق البطولات    "ترمب وإفريقيا.. وصفقة معادن جديدة    فيصل بن مشعل يتسلم تقرير "أمانة القصيم"    بيئة عسير تنظّم مسامرة بيئية عن النباتات المحلية    نجومية جمال تمنح برشلونة الأفضلية    رهيب والله رهيب يا أهلي    محمد بن ناصر يزف 8705 خريجين في جامعة جازان    أمير الشرقية يستقبل السفير البريطاني    أمانة الرياض توقع استضافة "مؤتمر التخطيط"    مجلس الوزراء: تبرع ولي العهد للإسكان حرص على تعزيز الحياة الكريمة للمواطنين    أمير الرياض يكرّم المتطوعين والمشاركين في {منقذ}    سعود بن نهار يثمن مبادرة "الطائف المبدعة"    المملكة تقدم 134 مليار دولار مساعدات ل172 دولة    العلاقات السعودية الأميركية.. الفرص والتحديات    إسبانيا: الحكومة والقضاء يحققان في أسباب انقطاع الكهرباء    "هيئة العناية بالحرمين": (243) بابًا للمسجد الحرام منها (5) أبواب رئيسة    مسؤولو الجامعة الإسلامية بالمالديف: المملكة قدمت نموذجاً راسخاً في دعم التعليم والدعوة    مدير عام الجوازات يستقبل أولى رحلات المستفيدين من مبادرة طريق مكة بمطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة    بدء المسح الصحي العالمي 2025    "الداخلية" تحتفي باليوم العالمي للصحة المهنية    مستشفى الملك خالد بالخرج يدشن عيادة جراحة السمنة    فريق فعاليات المجتمع التطوعي ينظم فعالية بعنوان"المسؤولية الإجتماعية للأسرة في تعزيز الحماية الفكرية للأبناء"    الاتحاد السعودي للهجن يؤكد التزامه التام بتطبيق أعلى معايير العدالة وفق اللوائح والأنظمة    إيلون ماسك يقلق الأطباء بتفوق الروبوتات    سان جيرمان يقترب من التأهل لنهائي "أبطال أوروبا" بفوز في معقل أرسنال    أسباب الشعور بالرمل في العين    اختبار للعين يكشف انفصام الشخصية    سيناريوهات غامضة في ظل الغارات الإسرائيلية المتكررة على لبنان    نائب أمير منطقة مكة يستقبل محافظ الطائف ويطلع على عددًا من التقارير    أمين منطقة القصيم: مبادرة سمو ولي العهد تجسد حرص القيادة    قلعة شامخة    القبض على 4 وافدين لارتكابهم عمليات نصب واحتيال بنشر إعلانات حملات حج وهمية    ورم المحتوى الهابط    من شعراء الشعر الشعبي في جازان.. علي بن حسين الحريصي    تنوع جغرافي وفرص بيئية واعدة    المسار يسهم في نشر ثقافة المشي والتعرف على المواقع التراثية وجودة الحياة    الصوت وفلسفة المكان: من الهمسات إلى الانعكاسات    الداخلية تعلن اكتمال الجاهزية لاستقبال الحجاج    للعام السابع.. استمرار تنفيذ مبادرة طريق مكة في 7 دول    أمير جازان يستقبل مدير فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالمنطقة    محمد بن ناصر يتسلّم التقرير الختامي لفعاليات مهرجان "شتاء جازان 2025"    أمير منطقة جازان يرعى حفل تخريج الدفعة ال20 من طلبة جامعة جازان    42% من الاستثمار الأجنبي المباشر في المنطقة الشرقية    نائب أمير مكة يشهد حفل تخريج الدفعة العاشرة من طلاب وطالبات جامعة جدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أضرب الإعلاميون وتراجعت الحكومة
نشر في الشرق يوم 23 - 10 - 2012

أخيراً أضرب الإعلاميون التونسيون، فكان ذلك أول إجراء احتجاجي يلجأ له الصحفيون في كامل الدول العربية على الأقل. وهو ما أحرج الحكومة بقيادة حركة النهضة، وأظهرها أمام العالم في صورة السلطة الراغبة في الهيمنة على وسائل الإعلام. وهي تهمة لا يمكن أن تفرح بها أي حكومة في العالم، فما بالك إذا كانت حكومة أفرزتها ثورة شعبية، أطاحت بنظام سياسي أرهق الصحفيين، حتى اتخذت المنظمات الدولية من رئيسه أحد العشرة رؤساء الأكثر عداوة لحرية التعبير والصحافة.
لقد تكررت المناوشات بين حكومة الترويكا والإعلاميين التونسيين منذ أن اختارت غرفة الأخبار في القناة الأولى الرسمية وضع حفل تسلم الوزراء الجدد مسؤولياتهم الجديدة في مشهد تاريخي ضمن الخبر الرابع، مقدمة عليه تغطية موجة الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد يومها. ورأت الحكومة في ذلك دليلاً على أن الإعلام التونسي لم يواكب فقط الثورة، وإنما هو «في مقدمة قوى الثورة المضادة». وهكذا بدأت العلاقة سيئة بين الطرفين، واستمر خط النزول يوماً بعد يوم، وشهراً بعد شهر، حتى انتهى بقطيعة مؤلمة للجميع.
سنجانب الموضوعية والحقيقة لو قلنا إن حرية الصحافة والتعبير مفقودة في تونس. على العكس من ذلك، لم يعرف عموم الصحفيين سقفاً أعلى للحرية مثلما هو حاصل اليوم. لقد سقطت أغلب التابوهات، إلى درجة التورط أحيانا في حالات انفلات لا تقرها أعراف المهنة، ولا يرضى عليها المهنيون العارفون بأصول الصحافة وقيودها الذاتية. لم يعد هناك أحد أو طرف فوق النقد والتقييم، ولم يسلم من ذلك رئيس أو وزير أو زعيم حزبي أو طيف سياسي. كما أن كل شيء كاد أن يصبح ملقى على قارعة الطريق، ونادراً ما بقيت معلومة محجوبة هنا أو هناك.
طبعا هذه الحرية الواسعة ليست منة من الحكومة الحالية، وإنما هي الثمرة الأساسية التي أفرزتها الثورة حتى الآن، وحولتها إلى خط أحمر لا يستطيع أي طرف مهما كانت قوته ومشروعيته أن يتجاوزه أو يحد منه. وهو ما جعل رئيس الحكومة أو غيره من المسؤولين يؤكدون في أكثر من مناسبة أن الرجوع إلى العهد السابق لم يعد ممكناً، ولا هو وارد.
إذا ما الذي يعيبه الصحفيون على الحكومة؟
يكمن جوهر الخلاف في كيفية إعادة هيكلة قطاع الإعلام وتنظيمه وتأمين شروط المحافظة على حريته والارتقاء بأدائه. فالإعلاميون لاحظوا منذ التعيينات الأولى لمديري المؤسسات الإعلامية ورؤساء التحرير أن الحكومة تريد أن تنفرد بالقرار، وأن تفرض عليهم من تراهم أقرب إلى الولاء وأكثر استعداداً للانضباط السياسي. وهو ما دفع بهم إلى النزول إلى الشارع والاعتصام أمام مقر الحكومة. صحيح أن الحكومة اعتذرت عن ذلك، لكنها أعادت الكرة في مناسبات أخرى، مما راكم من حالة الشك، وعمق أزمة الثقة بين الطرفين.
لقد حاولنا في مقالات سابقة تنبيه الحكومة بأن ملف الإعلام ليس سهلاً، ويتطلب نسبة عالية من الخبرة والذكاء والحنكة في إدارة العلاقات والتفاوض مع أصحاب المهنة والنقابات الممثلة لهم. لكن، ما جرى في مؤسسة دار الصباح، حيث تم الإصرار على تعيين مدير لها لم يحظ بتزكية الصحفيين، مما دفعهم إلى شن إضراب عن الطعام، كشف عن أن الأمر تحول إلى نوع من العناد والمناكفة، في حين أن المسألة أبسط من ذلك بكثير، وأن الحكومة لو انتهجت أسلوب الحوار والاستشارة منذ البداية، لأمكنها أن تحتوي هذا الملف، ولمنعته من أن يتعقد وأن يتحول إلى مواجهة إعلامية وسياسية، ومحاولة لي ذراع بين الطرفين.
من اللافت للنظر، في خضم هذه الأزمة الهجوم الذي شنته صحيفة الفجر، الناطقة باسم حركة النهضة، على مستشاري رئيس الحكومة حمادي الجبالي. واتهمتهم بالعجز والقصور. وهو ما كشف عن تباينات داخل الحركة حول تقييم أداء هذا الفريق، الذي كان من بين أبرز الملفات التي تولاها طيلة الأشهر الماضية، ملف الإعلام. فكانت النتيجة تعثرات متتالية، انتهت إلى أزمة حادة انعكست بالسلب على الحكومة وعلى الترويكا، مما دفع بحزبي التكتل والمؤتمر (حليفي النهضة في الحكم) إلى التبرأ من أسلوب المعالجة، بل وإدانته أيضا. لأنهما أدركا بأن هذه المعركة خاسرة سياسياً، وخاطئة في المنهج وفي الطريقة وفي تعيين الجهة القادرة على تفكيك هذا اللغم.
اليوم، تراجعت الحكومة عن مواقفها السابقة، وقبلت بتفعيل المرسومين المنظمين لقطاع الإعلام اللذين صدرا في عهد الحكومة السابقة، بعد إصرار عديد من كوادر حركة النهضة على رفض ذلك بحجة احتوائهما على «إجراءات خطيرة». هذا التراجع بقدر ما هو قرار صائب وحكيم، من شأنه أن يساعد على إخراج ملف الإعلام من الدائرة المغلقة التي تردى فيها. إلا أنه في المقابل، جاء متأخراً كثيراً، ووضع الحكومة في موقع ضعف، وأعطى فرصة لخصومها السياسيين لمزيد حشرها في الزاوية، والعمل على إضعافها.
السياسة حنكة، واستثمار جيد للزمن، ومعرفة من أين تؤكل الكتف، وبالخصوص عدم الاستخفاف بالطرف الآخر، والعمل على احتوائه بدل حشره في الزاوية ودفعه إلى التفكير في الحلول القصوى، وجعله يفكر بطريقة حادة شعارها «علي وعلى أعدائي»!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.