مظلات المسجد النبوي.. بيئة آمنة ومريحة للمصلين    أمير تبوك يزور الشيخ أحمد الخريصي في منزله    نائب أمير الرياض يستقبل مديري «الشؤون الإسلامية» و«الصحة» و«الموارد البشرية»    الذهب ينتعش مع تصاعد الطلب وتذبذب الأسهم العالمية    «بيكر هيوز» تُعلن عن استمرار عمل جميع منشآتها في الشرق الأوسط    سياحة بيئية    مضاعفة عمر أجزاء البوليمر    صوت العقل    الجهود الإغاثية السعودية تتواصل في سورية واليمن    مكان المادة المفقودة في الكون    ثورة في صنع أجهزة موفرة للطاقة    رؤية هلال كأس العالم للأندية    الهلال.. في أميركا    أمير الشرقية يستقبل سفير الفلبين    22 ألف عملية توثيقية لكتابة العدل خلال العيد    عبدالعزيز بن سعد يطلع على مشروعات جامعة حائل    "الشورى" يطالب بمعالجة انخفاض صرف إعانات مربي الماشية    «الشؤون الدينية» تقيم دورة علمية بالمسجد الحرام    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالصحافة يضع حداً لمعاناة «ستيني» مصاب بجلطة دماغية وأخرى بالشريان الأورطي    القصيم الصحي يجدد اعتماد «سباهي» لثلاثة مراكز    إعادة شباب عضلات كبار السن    قرعة كأس السوبر السعودي تُسحب الخميس المقبل    المملكة تشارك في معرض بكين الدولي للكتاب    93.1% من المتسوقين يشترون من المتاجر الإلكترونية المحلية    تداول يعاود الانخفاض ويخسر 153 نقطة    ترمب يعقد اجتماعا لمجلس الأمن القومي الأميركي بشأن إيران    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية    محافظ الطائف يزور المفتي العام للمملكة..    مجزرة خان يونس تفضح فشل العون والإغاثة    تدشين بوابة خدماتي العدلية    مباحثات سعودية فرنسية حول المستجدات الإقليمية    أمير القصيم ونائبه يستقبلان المهنئين بالعيد    العوامية الخيرية تدشّن هويتها البصرية الجديدة    أمير الشمالية يدشّن جمعية الابتكار والإبداع    744 موقعا أثريا للسجل الوطني    رئيس الاتحاد الآسيوي: نثق في قدرة ممثلي القارة على تقديم أداء مميز في كأس العالم للأندية    من رود الشعر الشعبي في جازان: محمد صالح بن محمد بن عثمان القوزي    أمير جازان يتفقد "ميدانيًّا" أعمال ومشروعات أمانة المنطقة    نجاح المبادرة التطوعية لجمعية تكامل الصحية وأضواء الخير في خدمة حجاج بيت الله الحرام    " الحرس الملكي" يحتفي بتخريج دورات للكادر النسائي    دعا لنهج واقعي في التحول العالمي ..الناصر: أوقات الصراعات أظهرت أهمية النفط والغاز لأمن الطاقة    "متحف السيرة النبوية" يثري تجربة ضيوف الرحمن    "الثقافة" تستعد لتنظيم "ترحال" في أغسطس المقبل    المباراة بين القدم والقلم    بعد إقالته.. الجمعان يقاضي النصر    الدفاع المدني: لا تتركوا المواد القابلة للاشتعال في المركبات    مدير الجوازات يقف على خدمات الحجاج بمطار المدينة    تفقد مقار إقامتهم في مكة المكرمة.. نائب وزير الحج يبحث ترتيبات راحة حجاج إيران    القبول الموحد في الجامعات وكليات التقنية    جهود سعودية مستمرة لخفض التصعيد.. مجموعة السبع تدعو لضبط النفس والتهدئة    «الطاقة الذرية»: لا أدلة على تضرر منشأة نطنز السفلية    السعودية رائد عالمي في مجال القطاع الدوائي    أمير الشرقية يستقبل إدارة نادي الخليج    مجمع الملك سلمان يعزّز حضور اللغة العربية عالمياً    الحج نجاحات متتالية    علماء روس يتمكنون من سد الفجوات في بنية الحمض النووي    أمير تبوك يعزي الشيخ عبدالله الضيوفي في وفاة شقيقه    أمير منطقة تبوك يكرم غداً المشاركين في أعمال الحج بمدينة الحجاج بمنفذ خاله عمار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قيادة المرأة بين الشرع والعادة
نشر في الشرق يوم 28 - 09 - 2012

كثيرا ما يتردد حديث الناس عن قيادة المرأة للسيارة، حتى أصبحت المسألة أشبه بقضية تحدٍّ ومفارقة بين التيار الديني وخصومه، وكل من يتعرض للموضوع قد يسوطه التحريض والتشويه، مما أدى إلى البعد عن الموضوعية والتجرد في البحث، وهذا مع الأسف إحدى الظواهر المجتمعية السلبية لدينا، حيث كثيرا ما يجنح البعض من مناقشة القضية والبحث عن حلها إلى مهاجمة الأشخاص ومحاكمة النوايا!
أود الإشارة بوضوح إلى أن انفتاح المرأة والدعوة لذلك، بالشكل الذي يجعل بلدنا وكأننا في بلد لا يعرف الإسلام أمر في غاية السوء! بل يجب أن يبقى البلدَ الذي أشرق فيه هدى الإسلام، وتواترت فيه شرائع الله، ومنه انتشر نور الله الوضّاء مهما كان الأمر، ولا يجوز السماح لمن يدعو لغير ذلك. كما أقدر العلماء الذين اجتهدوا في المسألة وأحترم حرصهم على عفاف وستر المرأة، كما أنه ليس من هدف المقال الفتيا، فلستُ مفتيا ولا شيخا، بل هو مجرد رأي شخصي، ولم أطرح الموضوع إلا للحاجة الحقيقية لإعادة النظر فيه.
أولاً: هناك عدد من المسلّمات التي لا خلاف فيها بين علماء المسلمين، ويجب الاستناد عليها لإرجاع الأمور لنصابها، وسأذكرها ثم أعقّب عليها:
1- أن القضية اجتهادية يَسَع فيها الخلاف، فلا نص فيها والخلاف فيها واقع. والواجب تقدير الخلاف في المسألة، واحترام الرأي الآخر طالما استند إلى دليل شرعي، ولا يجوز إكراه أحد على القول برأي ليس فيه نص ولا إجماع.
2- إنه لا يوجد دليل واحد من الكتاب ولا من السنة على تحريم قيادة المرأة، فالمرجع فيه الاجتهاد المحض، ويجب النظر في المسألة بصدر واسع وهادئ.
3- أن الأصل في الأشياء الإباحة، ولا يجوز الانتقال عن هذا الأصل إلا بدليل كافٍ لينقل الحكم إلى التحريم. وكل ما استند إليه المانعون عموميات ليست في محل النزاع، ولا تدل عليه لا من قريب ولا من بعيد.
4- جواز خروج المرأة من بيتها لقضاء حاجياتها ولوازمها، وذلك من الحقوق الأساسية التي يكفلها الشرع. والمرأة عندما تحتاج لذلك؛ فإنها ستضطر للاستعانة بالسيارة.
5- جواز ركوب المرأة للدواب، على الرغم من احتمال تعرض المرأة لانكشاف عورتها وربما السقوط أو تعب الدابة وما شابه ذلك. ولم يأتِ نص واحد بالتحريم، لكون حاجة المرأة لهذا جزءا من الحاجيات التي كفل الشرع إباحتها لاستقامة الحياة. بل في الصحيحينِ عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: (خيرُ نساءٍ رَكِبْنَ الإبل نساءُ قريش)، وعن ابن عباس مثله مرفوعا وحسّنه ابن حجر في الفتح. كما ركبت أم المؤمنين عائشة الدابة في حادثة الإفك في شهود النبي -عليه الصلاة والسلام- وأمام الرجال، وهذا كان متعارفا عليه في عصر النبوة والسلف الصالح.
ثانياً: محل الخلاف هو في التقدير للضرر الناشئ عن قيادة المرأة. فاختار عدد من العلماء الفضلاء أنها مفسدة شرعية، وأنه مؤدٍّ للاختلاط والانفتاح، فحرّموا قيادتها استنادا إلى دليل سدّ الذريعة (وهو دليل أصولي اختُلف في الاحتجاج به أيضا). إلا أن هذا الرأي نشأ قديما، وجاء في فترة زمنية انتقالية بين الحياة البدائية والحضارة في بلدنا، ولم يكن يدرك الناس حينها أبعاد هذا الرأي، بالإضافة لبساطة الحياة آنذاك، وربما لم يكن هناك حاجة تذكر. ولو أعيد النظر في الاستدلال بهذا الدليل لكان الواجب العكس كما سيتبين في «رابعاً».
ثالثاً: عند النظر في الأدلة الشرعية؛ فإنه يُلاحظ أن القياس الشرعي الجلي هو بالجواز! بل هو من قياس الأولى عند الأصوليين، فركوب المرأة للسيارة وقيادتها أستر وأحفظ لها من ركوبها الدابة بلا مقارنة، ومع ذلك لم يحرم الشارع ركوب الدابة بالإجماع في الجملة، فجواز قيادتها للسيارة قياسا على قيادتها الدابة من قبيل قياس الأولى. وكل ما ادّعى به المانعون من مفاسد يمكن تطبيقه على ركوب الدابة أيضا، ومع ذلك أباحه الشرع!
رابعاً: هناك لوازم فاسدة عديدة جرّاء القول بالتحريم، وهي كالتالي:
1- التحريم فيه إلجاءٌ للمرأة واضطرارها لاستئجار سائق، وهذا كمن يُلجئ امرأة تريد خياطة ثوبها بنفسها؛ أن تستأجر خياطا ليخيطه! فهو إلجاء واضطرار لها في أمر مباح بغير دليل وهذا غير جائز.
2- التحريم اضطر المرأة أن تخلو بالسائق بشكل متكرر، وهو أشد من الاختلاط، والخلوة محرمة بالنص والإجماع، وهي مفسدة محتّمة واضطرارية في حال منع القيادة. وكان الأولى مراعاة المحرّم بالنص بدلا من المحرم بالاجتهاد، والقاعدة تدفع الضرر الأشد بارتكاب الضرر الأخف.
3- التحريم فيه إلجاءٌ للمرأة في قضاء حوائجها للمحارم أو غيرهم لمن ليس لديها سائق، وهذا لم يأمر به الشرع إلا فيما نص عليه كالنكاح -بالنسبة للولي- وغيره.
4- فيه إلجاءٌ للمرأة للخروج إلى الشوارع العامة للبحث عن سائق أجرة مما يعرضها كثيرا للخطر.
5- فيه إلجاؤها للسائقين المجهولين مما يعرضها للخطر أيضا، ويكثر فيهم التهور والاستعجال مما يعرضهن لحوادث شنيعة أو للاختطاف والإساءة، وكل هذا اضطرار لها في أمر لم يأمر به الشارع.
6- وبالتأمّل في ضوابط البدعة؛ فإن القول ببدعية هذا الرأي له وجه؛ حيث التحريم لشيء من حاجيات الناس الذي كان السلف يبيحون أشباهه من ركوب الدواب، وكأن هذا التحريم فيه مغالاة في التحوط بما لم يحتط به الشارع.
تركت العديد من الجوانب لضيق المساحة، والخلاصة؛ أن القيادة حق شرعي من الحقوق الأساسية للإنسان لاستقامة الحياة، وهناك العديد من القصص المأساوية من المعاناة جراء هذا الرأي.
ووجود المفاسد لا تعني التحريم بالضرورة، فكل شيء قابل لأن يكون إيجابيا أو سلبيا، كما أن المرأة تقود في أسوأ بلاد العالم أمناً وانفلاتاً، ولا أعتقد أننا ننقص عن العالم بشيء! ولو فرضت الدولة الأمرَ وقتها لتقبّله الناس، ولتسابق الممانعون بعدها بسنوات قصيرة لاستخراج رخصة لنسائهم كما حصل في تعليم البنات! إلا أن العادة تحولت لتلبس لباس الدين! والله أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.