مفكرنا الأديب الفيلسوف إبراهيم البليهي، كاتب تميَّز بكثير من الصفات، وكنت من قرائه ومتابعي ما يخطُّه قلمه، منذ بدايات كتاباته في صحيفة الرياض. وقد عرفته عن قرب وقرأت فكره في زيارة له قام بها عدد من الأدباء والمثقفين، حين عقد أحد مؤتمرات رؤساء الأندية وممثلوها مؤتمرهم أو لقاءهم السنوي عام 14، ما وجدته ولاحظته عليه، أنه كان بطبيعته مختلفاً مع الجميع، فحينما أخذ الباحثون والأكاديميون يرسخون لمفاهيم مقاربة للواقع، كان الأستاذ البليهي يكرِّس دراساته وبحثه حول مفاهيم لم نتعودها، ولم يتعود المجتمع على طرحها بشفافية وجرأة. كان لكثير مما طرحه وفلسف منطقه ومعانيه في مسائل كثيرة، وجهات نظر متباينة أحدثت بلبلة وصراعاً فكرياً، لكن الأغلب ومنهم عدد كبير من الذين اختلفوا معه حول تفسيره لكثيرمن المفاهيم، أدركوا أنه كان على حق وأن تفسيره كان صحيحاً، وأنه كان مصيباً في كل ما كان يهديه إليه تفكيره. ولأهمية ما يطرح من أسئلة وما يدور من حوارات يتم نقاشها كأبرز ما يتسم به حراك المشهد الثقافي في وطننا، وهي أسئلة تدورحول التيارات التي تصنع الجدل في الحراك الثقافي في بلادنا، ومن بين تلك المفاهيم التي التبس على كثير منها معانيها، وما ترسخ في أذهاننا عنها من مفاهيم خاطئة، ما نعرفه عن الليبرالية والعلماتية والراديكالية. الأستاذ إبراهيم البليهي الذي اشتهر بكتاباته الفلسفية والفكرية، يرى أن تصاعد الحديث في مشهدنا الثقافي، عن الليبرالية كمطلب وأمل، هو تصاعد منطقي، فهو حديث عن الطموح الإنساني في الوضوح والشفافية والأمانة والعدالة والتنمية المستدامة، وتعرية الفساد وتوفيرظروف ملائمة للازدهار. هو حديث عن حق كل مجتمع من الحرية والاختيار والكرامة والتطور. وليس ذلك من قبيل المثاليات أو اليوتوبيا الفانتازية، وإنما أثبتت التجارب الإنسانية في الشرق والغرب، أنه مطلب ممكن ومتاح ومتحقق للشعوب. ويؤكد الأستاذ البليهي، أن الإنسان كما قال ابن خلدون، هو ابن ما تأقلم عليه وائتلف. مهما كان المألوف بالغ السوء، وهو حقيقة واضحة في كل المجتمعات. وينكر الخلط الذي يقوم به بعضهم بين الليبرالية والعلمانية، لأن الفرق بينهما شاسع، فالليبرالية كمفهوم سياسي واقتصادي واجتماعي تعني الحرية التي يحكمها ويضمنها القانون، أما العلمانية المتطرفة، فهي رد فعل عاطفي ضد التسلط التاريخي، لأن العلمانية بهذا المفهوم تقف موقفاً أيديولوجياً مضاداً للدين وقوانينه. وفي ظني أن بعض فلاسفة العصر يبررون موقفهم المتذبذب لمفهومهم للمصطلحين الليبرالية والعلمانية، وفق معايير الزمن ومتقلبات الأحوال، ومتغيرات الزمن، وكأنه على ما يبدو أن فارق التوقيت يلعب دوره في تغيير كثير من المفاهيم بل وحتى كل القوانين حتى تلك التي تحتكم لشريعة الله، أخذوا يختلفون في تفسيرها والإفتاء بغير ما عرفه الناس بما نقلته إلينا تلك الكتب. وكان الأجدى ألا نوسع رقعة الخلاف والاختلاف حتى في المسائل التي تم الاتفاق عليها شريعة ومنهاجاً.