حقاً عوَّلنا كثيراً على عولمة الثقافة، عبر ما اتسعت عليه نوافذ الحوار وتعددت قنوات التواصل والنقاش بين مختلف الثقافات، وتبين لنا أن الذين يدعون للطائفية وفِرَق الرأي المتشعب هم دعاة للقضاء على وحدة الرأي والكلمة، والدخول في غوغائية فكرية، تزيد الأمور تعقيداً، ولو عدنا لاجتهادات دعاة التجديد المعتدلين الذين تميزوا بوسطيتهم، ومعقولية حداثة طرحهم، طبقاً لما جاء في كتاب الله العزيز الحكيم، لما اختلفنا ولا انقسمنا، إيماناً منهم بأن الحق فيما تركناه واختلفنا في تأويله، وكتاب الله لم يترك صغيرة ولا كبيرة في حياتنا إلا أحصاها، فقد قال صلى الله عليه وسلم، وهو يختم رسالته هادياً في آخر أيام حياته قبل أن يلقى ربه: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله «القرآن الكريم» وسنتي»، وهي ما جاء على لسانه عليه الصلاة والسلام في أحاديثه الصحاح، فهل نترك ما يهدينا إلى ما يضلُّنا؟ وهل ندعو لما هو زائل ومنقلب؟، ونترك ما هو باق لا يزول أبداً؟ يقول الإمام الجرجاني: ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس تَعظَّمَا لا يمكن أن نبقى خارج منظومة الثقافة العالمية، بعيداً عن معطيات العالم الجديد وتقنياته، وقد تأقلمنا وتأثرنا بالعولمة الثقافية. نحن نذكر أن المفكر «النبع الذي لا ينضب»، الذي أثار بإضاءته كثيراً من الجدل، الأديب إبراهيم البليهي، كان بطبيعته مختلفاً مع الجميع، حين أخذ الباحثون الأكاديميون يرسِّخون لمفاهيم مقاربة للواقع، كان الأستاذ البليهي يكرِّس دراساته وبحثه حول مفاهيم لم نتعودها، ولم يتعود المجتمع طرحها، لكننا جميعاً بما فينا الذين اختلفوا معه حول تفسيره لكثير من المفاهيم، أدركنا أنه كان على الطريق الصحيح، وأنه كان مصيباً في كل ما كان يهديه إليه تفكيره. ولأهمية ما يطرح من أسئلة وما يدور من حوارات يتم نقاشها تويترياً وينعكس على حراك مشهدنا الثقافي، نجد ما يطرح من أسئلة حول التيارات الفكرية والرؤى التي تصنع الجدل بين المفكرين، على المنابر الثقافية وعبر مواقع التواصل الإنترنتية، يثير كثيراً من الشكوك حول المفاهيم الخاطئة لليبرالية والعلمانية والراديكالية. الأستاذ إبراهيم البليهي الذي اشتهر بكتاباته الفلسفية والفكرية -صحفياً-، يرى أن الجدل الدائر بين المثقفين في حراكنا الثقافي، عن الليبرالية كمطلب مأمول، ومنطقي إلى حد ما، يعد حديثاً عن الطموح الإنساني في الوضوح والشفافية والأمانة والعدالة والتنمية المستدامة، وتعرية الفساد وتوفير الظروف الملائمة للازدهار، وهو جدل عن حق كل مجتمع في الحرية والاختيار والكرامة والتطور، ويؤكد الأستاذ البليهي أن الإنسان كما قال ابن خلدون، هو ابن ما تأقلم عليه وائتلف، مهما كان المألوف بالغ السوء، وهي حقيقة واضحة في كل المجتمعات، ويُنكر الخلط الذي يقوم به بعضهم بين الليبرالية والعلمانية، لأن الفرق بينهما شاسع، فالليبرالية كمفهوم سياسي واقتصادي واجتماعي تعني الحرية التي يحكمها ويضمنها القانون، أما العلمانية المتطرفة، فهي رد فعل عاطفي ضد التسلط التاريخي لرجال الدين. ما لفت انتباهي، ما كتبته إيرينا بوكوفا مسؤولة اليونيسكو في موقعها الرسمي على الإنترنت، رداً على الغوغائية الفكرية السائدة -تويترياً- «إننا نشهد على التزام المملكة العربية السعودية القوي لصالح الحوار الثقافي في العالم، ونعتبرها الرؤية التي تتناسب مع المهمة الأساسية لليونيسكو لبناء حصون السلام في عقول الرجال والنساء وفي ضمير العالم».