الجميع يدرك جيداً، أن الحسبة هي شعيرة إسلامية تشكل رافداً لتعزيز الممارسات السلوكية الإيجابية بالمجتمع. كما أن طبيعة المجتمع السعودي التقليدية ثم تعرضه لعمليات تنموية وتطويرية مفاجئة جراء النقلة النوعية التي أحدثتها الوفرة النفطية وتسارع عمليات التحديث وكذلك انفتاحنا على ثقافات عديدة كل ذلك لابد أن يحدث تغييرات داخلية عديدة بشقيها الإيجابي والسلبي، الأمر الذي يجعل من وجود الحسبة والتي تمثلها الرئاسة العامة لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضرورة ملحة تتطلبها المرحلة وطبيعتها. لكن عملية الخلط الفكري بين المؤسسة والمنتمين إليها تشكل معضلة بحاجة إلى إعادة تفكيك وإلى معالجة دقيقة. فالجميع يذكر الحادثة التي جرت الأسبوع المنصرم التي كان أحد أطرافها مواطن بريطاني وأحد فروع الهيئة بإحدى مدننا الحبيبة، ثم تداعيات ذلك الأمر على الواقع التفاعلي والفكري للمواطن السعودي. فبمطالعة دقيقة لواقع تراكمات ردات الفعل لهذا الحدث، سنجد أن هناك قسماً كالعادة سارع للدفاع المستميت عن أعضاء الهيئة المتورطين في هذه الحادثة وكأنه يرى أن لهم قداسة خاصة أو أن خطأهم الشخصي هو خطأ مؤسسة الهيئة بأكملها، بل وعمل جاهداً لتحوير الحقائق واختلاق أحداث مغايرة لواقع الحدث ثم قولبة ذلك في رسائل نصية بثت عبر «السوشل ميديا» لقطاع أكبر من مواطني هذا البلد سعياً للتأثير على الرأي العام وتشكيل لوبي رأي ضاغط لتغيير ميزان العدل بالاتجاه الذي يكفل صالح أعضاء الهيئة الذين كانوا طرفاً في هذا النزاع. إلا أن النتائج النهائية التي توصلت إليها لجنة التحقيق والحكم الذي أصدرته هذه اللجنة التي شكلتها رئاسة الهيئات كان مفاجئاً للجميع سواء لأعضاء الداخل من المنتمين لهذه المؤسسة الحكومية ذات الصبغة الدينية أو لأولئك الذين يقفون على الطرف الآخر وباتوا يعتقدون بأن هذا الجهاز الحساس والمهم قد بات مختطفاً من تيارات بعينها. بل إن النتيجة التي خلصت إليها لجنة التحقيق قد أعطت المراقبين الحياديين – من أمثالي – انطباعاً قويَّاً بأن جهاز الحسبة لدينا هو حالياً في مرحلة إعادة ترميم البيت من الداخل والعمل على إيقاف أي تجاوزات لأي شخصية كانت، فالجميع يجب أن يخضع لقوانين الدولة وجميعنا ينبغي أن نحتكم إليها. كما أن هذه الحادثة وما ترتب عليها من نتائج تعطي انطباعات إيجابية بأن جهاز الحسبة وبقيادة رئيسها العام الدكتور عبداللطيف آل الشيخ يعمل جاهداً على تطوير أدائه بما يتلاءم مع طبيعة المرحلة وتغييراتها الاجتماعية العديدة مع المحافظة في ذات الوقت على ثوابتنا الدينية والوطنية وفقاً لتوجيهات ولاة الأمر. الملاحظ والمحزن في ذات الوقت، أن هناك بعض المحسوبين على الإعلام قد سارعوا لإدانة اعتذار الهيئة وذلك – ربما – سعياً منهم لتحقيق مكاسب معنوية لدى أطراف لم يعجبها الحكم معتمدين على عملية خلط أوراق بعينها، كحادثة مقتل المبتعثة السعودية. بل وتمادوا للتشكيك بتداعيات القرار الذي أصدرته لجنة التحقيق بدعوى أن المواطن البريطاني قد يعتمد عليه للمطالبة بتعويض مادي. لكن من خلال معرفتي العميقة بالشخصية البريطانية ونظرتها لدول الشرق الأوسط الإسلامية فأعتقد جاداً، بأن الحكم كان مفاجئاً للرجل ومن هنا فهو سيقضي عدة سنوات وهو يحكي لأصدقائه الإنجليز عن عظمة الدين الإسلامي وعن عدالة المجتمع السعودي الذي أثبت خطأ رجال من داخل جهاز الحسبة الديني بل وأدان تجاوزاتهم. أن هذه الحادثة وما نتج عنها من تداعيات وكذلك مثيلاتها من القضايا الأخرى، تزودنا بقناعات عديدة لعل أبسطها أن هذا الجهاز الأمني الديني المهم، والمرتبط بحياة الأفراد لايزال بخير بل وفي أيد أمينة. كما أن تلك التيارات النافذة والمتشددة التي ترى نفسها فوق القانون قد انتهى زمنها وولى إلى غير رجعة فهي وإن كانت قد أساءت في الماضي بممارساتها غير المدروسة لهذا الجهاز الديني الأمني المهم إلا أن ذلك الأمر قد ولّى وانقضى ولن يعود مجدداً، فالجميع في المرحلة الراهنة يحتكم ويخضع لقانون الدولة والجميع سواء أمام القانون.