مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    إنشاء صندوق للاستثمار في شركات أشباه الموصلات بأكثر من مليار ريال    «الراجحي» في الأمم المتحدة يستعرض منجزات السلامة والصحة المهنية    20 عاماً على موقع «فيسبوك».. ماذا تغير ؟    رقابة مشددة.. أغلى بقرة سعرها 4.1 مليون دولار    «خارطة بايدن» تخنق نتنياهو    احسمها يا الأخضر    يا اتحاد افرح بأبطالك.. دامت لك الفرحة    الثقفي ل«عكاظ»: «ناظر» الرئيس المناسب للاتحاد    وكيل «الأوقاف» اليمني ل«عكاظ»: لمسنا خدمات متطورة في المشاعر المقدسة    5 أطعمة تزيد التعرّق في الصيف    مبادرة السعودية الخضراء تُطلق شخصية «نمّور» بهدف إلهام الشباب والأطفال    المملكة تدين اقتحام عدد من المسؤولين في حكومة الاحتلال الإسرائيلي وأعضاء الكنيست ومستوطنين متطرفين للمسجد الأقصى    رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يستقبل سمو وزير الدفاع    تقنية لتصنيع الماس في 15 دقيقة    مراكز معالجة وتدوير نفايات السفن    الرئيس جيله استقبل وفد اتحاد الغرف.. المملكة وجيبوتي تعززان العلاقات الاقتصادية والاستثمار    تطوير التعاون اللوجستي مع المغرب    وزير الدفاع يجري اتصالًا هاتفيًا بالرئيس المنتخب وزير الدفاع الإندونيسي    بتوصية من مانشيني.. الأخضر الأولمبي يقترب من مدرب إيطالي    السعودية تستضيف بطولة غرب آسيا الثالثة للشباب    آل عصفور وآل هوساوي يحتفلون بزفاف الدكتور مؤنس    القصبي أجاب على استفسارات الأعضاء.. "الشورى" يطلع على إنجازات ومبادرات" التجارة"    الضليمي والمطيري يزفون محمد لعش الزوجية    الحجيلي يحصد جائزة "المعلم المتميز"    سروري مقدما ل " ثلوثية بامحسون "    إعادة كتاب بعد 84 عاماً على استعارته    نائب رئيس جامبيا يزور المسجد النبوي    رئيس الشؤون الدينية يدشن دورة "هدي النبي في المناسك"    استعرضتها ديوانية الراجحي الثقافية.. المملكة ..خدمات متميزة لضيوف الرحمن    ماء زمزم المبارك يطفئ عطش زوار المسجد النبوي    ترحيب وهدايا    حذّروا من إضاعتها خلف الأجهزة الإلكترونية.. مختصون ينصحون الطلاب باستثمار الإجازة    أدوية الأمراض المزمنة ضرورية في حقيبة الحاج    اكتشاف علاج واعد لسرطان العظام    عبدالعزيز بن سعود يرعى حفل تخريج الدورة (65) من طلبة بكالوريوس العلوم الأمنية والدورة التأهيلية (53) للضباط الجامعيين وطلبة البرنامج الأكاديمي الأمني للابتعاث الخارجي    المصريون ينثرون إبداعهم في «ليالٍ عربية» ب «أدبي الطائف»    اختبارات أيام زمان !    الفصول الدراسية: فصلان أم ثلاثة.. أيهما الأفضل؟    جمجوم وشعبان يحتفلان بعقد قران عبدالرحمن وليان    خالد بن سلمان يجري اتصالاً هاتفياً بالرئيس المنتخب وزير الدفاع الإندونيسي    «موارد مكة» ينفذ مبادرة «نسك» لاستقبال ضيوف الرحمن بمطار جدة    إيجارات خارجة عن السيطرة !    قائد النصر "رونالدو" يفوز بجائزة الأفضل لشهر مايو في دوري روشن    هند بنت خثيلة والتاريخ!    «ليلةٌ في جاردن سيتي»    الوزير الجلاجل وقفزات التحول الصحي !    المملكة ترحب باعتراف سلوفينيا بدولة فلسطين    حماية حقوق المؤلف    أمير المدينة المنورة يستقبل رئيس بعثة الحج العُمانية    مانشيني: هدفنا الفوز.. الليلة    وزير التجارة: الأنظمة تمنع الاحتكار.. وهناك مؤشرات ستكون معلنة على وكالات السيارات    أمير تبوك يرعى حفل جائزة فهد بن سلطان للتفوق العلمي    السديري يدفع ب93 خريجة من «تقنية بنات المجمعة» لسوق العمل    المملكة تدين اقتحام عدد من المسؤولين في حكومة الاحتلال وأعضاء الكنيست ومستوطنين متطرفين للمسجد الأقصى    ضبط 9 مخالفين لأنظمة الحج لنقلهم 49 مخالفا ليس لديهم تصريح    النسخة5 من برنامج "جسور" لتأهيل المبتعثين بالولايات المتحدة    تخصيص منزل لأبناء متوفية بالسرطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عسير.. الطبيعة والجمال.. والفن والأخلاق (2-2)
نشر في الشرق يوم 28 - 05 - 2014

حين سارت بنا الحافلة في أرجاء مدينة أبها، لا أدري لماذا تسللت إلى ذاكرتي أغنية طلال مداح «شفت أبها لابسة حُلَّة وحزام ذهبي جميل، شفت أبها قلبي احتار والخضاب خلاني أميل…»، ذلك الصوت الشجي الذي أطرب الأذن العربية ويحق له أن يتغنى في أبها الجبل الأخضر الذي يتموسق كتاج مرصع بالزمرد حيث يشكل في قامته منارة يكون أول مستقبل لأشعة الشمس، وفي المساء تزينه أضواء خضراء كي ينسجم مع الغطاء النباتي الذي يؤهل أبها لأن تكون العروس الفاتنة.
يقول مرشدنا السياحي الأستاذ خالد معجب بأن اسم الجبل القديم ذرة وتحول إلى الأخضر ويستحق ذلك. ومن نافذة الفندق تطلق سرب نظرك في الفضاء الذي حولك وأول شيء يمكن رؤيته مساحة زرقاء وهي البحيرة التي احتضنتها الجبال من كافة الجوانب ليستغل هذا المكان المميز- المستثمرون ببناء عشرات الفنادق والشقق المفروشة تشرف على بهاء البحيرة، فالماء عنوان للرواء ومؤشر للخير وكذلك هي أبها.
وتستمر المركبة السير بنا من خلال الحزام الذهبي الجميل بحسب ما يقول الشاعر ويشدو به طلال مداح «قلبي حبك والله يا أبها أنت أجمل من الخيال، شفت نورها عند بابها قلبي حنَّ للجمال»، لنستمتع برؤية الجمال الناطق في كل مكان. أبها مدينة ناهضة تأخذ بأسباب التطور السريع والحديث ولم تفقد حسنها العريق إذ تتبدى المباني القديمة كالحسناوات لتؤكد انصهار الأصالة مع المعاصرة في تناغم وانسجام يريح العين ويزيد النفس متعة.
مضت السيارة تجاه عدد من القرى العسيرية وصولا إلى متنزه الحبلة ذلك الموقع الذي يشرف على انحدارات سحيقة، ومن علو شاهق يهبط بنا «التلفريك» إلى منتصف الجبل، وأثناء النزول نلحظ جدار الجبل في زاوية قائمة، ويعد جزءاً من انكسار البحر الأحمر بحسب ما فسره الجيولوجيون.كانت فرصة لالتقاط الصور، ومن جميع الزوايا، وكانت إحدى الشركات السياحية أنشأت منتجعا جبليا متكاملا عند نهاية محطة «التلفريك»، وبعد استجمام حقيقي واستنشاق هواء نقي، صعدنا عندما غطى المكان لحاف الليل، وأثناء صعودنا كأننا في مركبة فضائية لتستقر مرة ثانية في قمة جبل الحبلة.
وفي ذات المساء رتّب قائد الرحلة الأستاذ الخلوق محمد الرشيد زيارة لقرية بن حمسان بمدينة خميس مشيط تلك القرية التراثية التي تفترش مساحة 15 ألف متر مربع بذل صاحبها ظافر بن حمسان جهدا كبيرا وصرف أموالا كثيرة حتى أصبحت إحدى أهم مناطق الجذب في أبها، حيث استقبلنا المضيف واعتلى «المنار» وأعطى عِلاّمته بعدها دوّت بندقيته المقمّع ترحيبا بالزائرين، ليسمح بعدها للضيوف التجوال في داخل حلمه اللذيذ تلك القرية التراثية الفريدة بما تحويه من أجنحة وقطع أثرية ومسرح وغرف زينتها المرأة العسيرية بأناملها ونقشت جدرانها بألوان زاهية فغدت لوحة تبهر النظر، ويقول صاحبها بأنه يعتزم تزويد أجنحة أخرى تليق بأهمية عسير كمكان سياحي من الطراز الأول، لتكون خاتمة الزيارة وجبة من الأكلات الشعبية المشهورة في عسير. والذي عرفناه من حديث بن حمسان أن هناك عشرات المتاحف في عسير كتوثيق لتاريخهم المجيد.
ومن المواقع الجميلة التي تمت زيارتها لجنة التنمية الاجتماعية الأهلية بقرى آل عاصم، والتي تخدم قرابة 55 قرية موزعة ما بين السراة وتهامة من خلال عشرات البرامج المميزة للذكور والإناث تخدم البيئة والشباب والأطفال والأسر المنتجة وكبار السن وإقامة المعارض التوعوية في المدارس والمتنزهات إلى جانب الديوانية الشهرية يستضاف من خلالها أعلام المجتمع في جميع المجالات وتميزت اللجنة بتأسيس فريق تطوعي مما استحقت الحصول على المركز الأول في مسابقة سواعد الوطن، ومثله فريق تطوعي «فتيات»، وأيضا حققن المركز الأول، ويقف على إدارة اللجنة عدد من الشباب والشابات بقيادة رئيس اللجنة الأستاذ جابر الحمادي.
وفي اليوم التالي تأهب الوفد الإعلامي لزيارة قرية رُجال ألمع، وبدأت الحافلة تصعد جبلا مهيبا وصولا إلى قمة شاهقة، جبل السودة ذروة الجزيرة العربية، ترتفع بما يزيد عن 3000 متر عن سطح البحر. أثناء صعودنا كانت السحب تتشكل حولنا في لحظات انشراح، والمصاطب الزراعية تمتلئ بالمحاصيل الزراعية، كما أن المنتجعات الجبلية تُغطي سفوح الجبال. حطت بنا الحافلة في قمة تشرف على تهامة، لنستعد للهبوط على متن عربات معلقة إلى قرية رُجال ألمع الأثرية، عشر دقائق كفيلة بنقلنا من منطقة باردة إلى موقع دافئ، وكانت الحافلة الأخرى تنتظرنا لتمر في شعاب وانحدارات وأودية لتبرز منازل حجرية غاية في الدهشة إنها القرية التراثية لرجال ألمع ديار محمد زايد الألمعي، ومحمد البريدي، والمنهدس علي القاسمي، والدكتور علي الموسى، وإبراهيم شحبي، وحسن عامر، وعلي فايع، وعلي مغاوي، وإبراهيم طالع، وإبراهيم المضواح، والدكتور زاهر الألمعي وغيرهم، ممن تألقوا ولمعوا في سماء الصحافة والشعر والنقد والقصة والأدب. وعند أقدام السراة تشكلت القرية القديمة لتبوح نوافذها وجدرانها بأسرار الماضي، وكان في الاستقبال الأديب علي مغاوي والكاتب محمد البريدي العم طرشي الألمعي الذي أنشأ متحفاً في منزله القديم يضم كثيرا من القطع الأثرية والوثائق، وقبل الولوج للمتحف أرهفنا السمع لمقطوعة موسيقية من أنبوب الناي أطربنا وشنف أسماعنا أحد الهواة الألمعيين، بعدها تجول الجميع في ردهات القرية وساحاتها ومبانيها ومساريبها، وتحتوي عناصر القرية على مبان قديمة ومتحف، ومطعم ومقهى يطل على ساحة الاحتفالات الشعبية ومبنى ضيافة ومسجد، بنيت بالحجر فيما تم تسقيفها بخشب العرعر ورقائق الحجر المغطاة بالطين وتتفاوت ارتفاعاتها ما بين ثلاثة أدوار إلى خمسة أدوار، وتتوزع الحجرات الداخلية بحسب الاستعمالات سواء لاستقبال الضيوف أو لتخزين الحبوب والعلف، وقد أحسن القائمون في ترميم القرية حتى أضحت مكانا يستهوي كثيرين سواء من داخل المملكة أو خارجها. وأثناء التجوال كان الزميل الدكتور خالد باطرفي قد شده جمال الملابس العسيرية ليحرص على اقتنائها كذكرى لعبق المكان. يقول أحد أبناء القرية بأن التخطيط لإقامة فندق فارة يكون بمنزلة حديقة غناء لاستقبال ضيوف القرية من الزوار والسياح وهي فكرة رائدة وألمعية تُسهم في رفد السياحة، سيما أن القرية مؤهلة بمبانيها القديمة لأن تكون أحدى أهم نقاط الجذب السياحي في تهامة عسير.
وفي المساء كان الموعد مع انطلاق مهرجانات صيف السعودية، التي تنظمها الهيئة العامة للسياحة والآثار وشركاؤها في مجالس التنمية السياحية واللجان السياحية بمناطق المملكة، من قلب مدينة أبها أقيم الحفل البهيج تحت رعاية أمير منطقة عسير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز، وتم اختيار الممشى ليكون مقراً للحفل وسط خميلة خضراء من الأشجار المتنوعة، وقدّم المشاركون الذين يمثلون بعض مناطق المملكة فقرات من الفلكلور الشعبي وسط عاصفة من التصفيق والإعجاب والحضور الكبير الذي ملأ المكان من وقت مبكر، وتميّزت فقرات الحفل بمشاركة واسعة للشباب من خلال استعراض مسيرات الخيول والسيارات القديمة والفروسية، وعروض الألوان والفنون الشعبية، إضافة إلى عروض الأطفال الثقافية، وعروض الإضاءة والصوت، بمشاركة 1200 شاب. وفي أعقاب الحفل التقى أمير عسير بأعضاء الوفد حيث أشاد بجهودهم في سبيل إعطاء صورة حقيقية عن السياحة في وطننا.
ومع إشراقة الشمس في اليوم التالي تحرك الوفد مرورا بمتحف الحجل العاصي وديار باللسمر والالتقاء برئيس البلدية وأعضاء المجلس البلدي حيث اصطحبوا الجميع للتجوال بقيادة الكاتب محمد بن ناصرالأسمري في مواطن الجمال تلك الجبال الخضراء التي تعد اكتشافاً سياحياً جديداً يضاف إلى المواقع السياحية المهمة في بلادنا وتحتاج إلى شيئين أولهما: التعريف بها من خلال وسائل الإعلام وكذلك توفير الخدمات لتكون منتجعات جبلية مميزة.
كانت الحافلة تتهادى أثناء سيرها بين الجبال والشعاب والغابات حتى طالعتنا تنومة بجمالها الأخاذ ليكون متحف العسبلي محطة أخرى لرؤية الطراز المعماري المميز للعمران في النماص ولا شك أن المباني القائمة من قلاع وحصون هي الشاهد لعراقة المدينة وتاريخها الموغل في القدم. واستمر أعضاء الوفد يغترفون من بهاء المكان وسحر الطبيعة وروعة المناخ حتى استقبلتنا سبت العلايا تلك المدينة الصغيرة في أحضان الجبال، وموعدنا كان مع عدد من رجالاتها الذين استقبلونا بالعرضة الشعبية، وانتقلنا إلى المتحف وهو واحد من بين 14 متحفا في سبت العلايا، مما يؤكد اهتمام الأهالي بتراثهم الأصيل، ومما لاحظناه اهتمام إنسان عسير بتراثه سواء في الحفاظ على المباني القديمة أو المقتنيات التراثية التي تؤكد علاقة الإنسان الحميمية بالأرض. وكانت هناك ثمة مطالب كاستحداث مكتب للسياحة والآثار لكون بيشة تبعد عن العلايا بما يزيد عن مائة كيلومتر حيث لا يوجد مراقب آثار خاص بمحافظة بالقرن مما يُسّهل في إجراءات المحافظة على الآثار الموجودة والقرى التراثية من الطمس والتخريب بالتوصية في وضع سياج حولها وحتى يقوم بتسجيلها وتوثيقها ونشر الوعي بين الأهالي في هذا الخصوص. ومن المتنزهات الشهيرة بها كما يقول المرشد السياحي تركي الحلافي متنزه الملك عبدالعزيز، الضور، الرسيس، العرينة، شيبانة، الفحمة، الخالدية، مهرة، نبا، العيان، الفوهة، البلس، الكرس شواص وغيرها.
تأهب الجميع للسفر نحو بيشة الفيحاء تلك المدينة التي تنام في أعطاف صحراء الربع الخالي، حيث موعد انطلاق مهرجان البادية الذي استعد له البيشيون ليكون أحد المهرجانات المميزة لصيف هذا العام، وما أن شارفنا ساحة الاحتفال حتى لفت انتباهنا الحشد الكبير من المتفرجين. ويقول أحد المنظمين بأن المهرجان بدأ من صبيحة ذلك اليوم إلى منتصف الليل، ويستمر لعدة أيام. وبحضور الأميرين فيصل بن خالد أمير منطقة عسير وسلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، بدأ الحفل بقصائد شعرية ورقصات شعبية وفقرات غنائية ومشاهد تمثيلية فيما كان السوق البدوي يعج بالبائعين والمشترين الذين توافدوا من كافة أرجاء محافظة بيشة وغيرها. كان القمر يتجلى في كامل بهائه والنجوم تلمع في قبة السماء، في ذلك الوقت كان موعد الرحيل لنتوق لزيارتها مرات ومرات للاستمتاع بما فات علينا مشاهدته من مواقع أخرى في تلك الديار التي تتمّيز بجمال أخاذ أودعه الله في سراة الجنوب. وختاماً نقول بلسان عسيري فصيح «مرحباً ألف».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.